عُرضت مسرحية «فيلم أميركي طويل» في بيروت عام 1980 واستمرت نحو سنة وثلاثة أشهر. تجري أحداثها في مستشفى للأمراض العقلية في المنطقة الغربية في بيروت، وتتناول يوميات سبعة مرضى يعانون أمراضاً نفسية نتيجة للحرب، بالإضافة إلى مدمنَين اثنين.

رغم اضطراباتهم العصبية، تبدو هواجس المرضى مشروعة وواقعية، وبعد فشل طرق العلاج التقليدية، تبدأ الأجواء العبثية بالانسحاب على الطاقم الطبّي نفسه، فيتم اللجوء إلى الحلّ الجذري الوحيد. هل ينجح هذا الحلّ؟ يتوقّف ذلك على وجهة نظر كلّ مشاهد.

Ad

ولا شك في أن «فيلم أميركي طويل» بنسخته السينمائية سيحقق نجاحاً لا يقل عن نجاح «بالنسبة لبكرا شو»، باعتبار أن لدى الجمهور اللبناني معرفة تامة بالمسرحيتين وترافقان يومياته كونهما مسجلتين على شرائط ومتداولتين بشكل كبير ويحفظ كثر مقاطع منهما.

شخصيات واقعية

يؤدي الأدوار في المسرحية: رفيق نجم يجسّد شخصية أستاذ علم المنطق، يبحث عن مؤامرة من دون جدوى، محمد كلش يجسد شخصية أحد كوادر «الحركة الوطنية» الذي فقد القدرة على التحليل الإيديولوجي، زياد أبو عبسي يجسد شخصية مسيحي مقيم في المنطقة الغربية في بيروت ذات الغالبية المسلمة، سامي حواط يجسّد شخصية أحد ضحايا الممارسات الميليشياوية، بطرس فرح يجسّد شخصية مصاب بهلع من الوضع الأمني، غازاروس الطونيان يجسّد شخصية مواطن ضائع بين هويته اللبنانية والأرمنية، زياد الرحباني يجسد شخصية شاب يقع ضحية المليشيات المسيطرة على الأرض، جوزف صقر وتوفيق فروخ يجسد كل منهما شخصية مدمن هارب من اصله الأرمني، عبثية الحرب الأهلية، سبب العلاج نتائج عكسية عليهما، فصارا أكثر وعياً بالحالة. ويجسّد شخصيات الطاقم الطبي في المستشفى كل من: بيار جماجيان، رينيه الديك، منى سعيدون، فؤاد حسن، جومانا نعماني، كارمن لبس، ابراهيم جابر ولميا أبو شقرا.

بعد 36 سنة على عرضها، تبقى مسرحية «فيلم أميركي طويل» ملتصقة بالواقع اللبناني، ذلك أن الخدمات السيئة على صعد البنية التحتية والأولويات من ماء وكهرباء ما زالت كما صورتها المسرحية، والقضايا الرئيسة والمفاهيم المتعلقة ببناء الدولة لم تتغير، فضلاً عن الاصطفاف الطائفي الذي يهيمن على قطاعات الدولة سواء في الوظائف أو في التعيينات... باختصار تعبّر المسرحية عن الحاضر، وكأنها ركبت قطار الزمن لتحطّ رحالها في هذا الوقت، لتوعية الأجيال الجديدة من مخاطر المراوحة في دائرة الأزمات والمآزق واللعب على وتر الطائفية.

معروف عن فن زياد الرحباني أنه يعتمد السخرية من الواقع الممزوجة بالدمع، أي ما يشبه الكوميديا السوداء التي تجعل المتفرج يتألم من واقعه حتى السخرية منه، وهو في كل ما يقدم يتقن اللعبة المسرحية إلى حد أنه يشرك المتفرج الذي يرى نفسه أو بعضاً من نفسه في هذه الشخصية أو تلك على المسرح، ويعتمد الحركة التي لا تهدأ والفضاء المسرحي المليء بالمشاهد التي تمرّ سريعاً، إنما محملة بمعاناة عميقة يعبّر عنها بضحكة تارة وبدمعة تارة أخرى.

بين الأمس واليوم

عبّر بعض الممثلين الذين يشاركون في المسرحية عن سرورهم لتحويل المسرحية إلى فيلم سينمائي وعرضه على الشاشات، وفي هذا السياق أكد غازاروس الطونيان أن هذه الخطوة تفسح في المجال أمام الأجيال الجديدة لمشاهدة هذه المسرحية التي تصلح لكل زمان ومكان. فيما اعتبر رفيق نجم أن هذا العمل يذكره بالماضي والعمل مع زياد الرحباني، وأشار فؤاد حسن إلى أن «فيلم أميركي طويل» كانت من أهم المسرحيات التي عرضت في الثمانينيات، وتبين النضج في الرؤية الفنية والإنسانية التي يتمتع بها زياد الرحباني، ورأت منى سعيدون أنها تسترجع اليوم لحظات جميلة كان لها فيها أمل وحلم...