مسلمون يعظون نساء الغرب... في الكنائس (3-3)

الداعية غولن حزبي عقائدي متشدد؟

لننظر مثلا كيف يخاطب "فتح الله غولن" أتباعه ممن خضعوا لدورات مكثفة من هذه الأفكار التي نراها في مقالاته وخطبه وفي مؤلفات ومنشورات الإسلاميين، فيتحدث في مقال عن "طاعة الإمام" و"طاعة أولي الأمر" فيقول: "أي أطيعوا أولي الأمر منكم الذين يسيرون على النهج المضيء للرسول (صلى الله عليه وسلم)". وهذا بالطبع توجيه فضفاض يحتمل الكثير من الأوجه والاحتمالات، بحجم ما في التراث الديني وبخاصة السنّة والسيرة النبوية من مضامين وتوجيهات، وكان قائد الإسلاميين السودانيين د. حسن الترابي أحد أبرز المستفيدين من هذا المخزون دون أن يستطيع أحد إفحامه، "فللنهج المضيء" مثلا تفاسير لا حصر لها!

ويطالب "غولن" سائليه بأن يطيعوا القادة السائرين على "النهج المضيء للرسول" ثم يضيف: " واتبعوا جميع القادة والزعماء سواء أكانوا قادة وأمراء على ثلاثة أو خمسة أشخاص أم على الآلاف أو الملايين ما داموا يسيرون على الصراط الذي يبينه الله تعالى، ودل عليه الرسول".

ويقول إن لغير هؤلاء من القادة بعض الطاعة ضمن حدود معينة "إلا أن الطاعة المطلقة هي للذين يمشون على طريق وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم". وهكذا يحث "غولن" أتباعه على طاعة حزبية عقائدية نعرف مقاسها وتجاربها وكوارثها جيداً في تجارب جماعات الإسلام السياسي العربية وغيرها.

ثم يقول: "ونحن نأمل من الكوادر الذين جعلوا الدعوة وخدمة الإسلام هدفهم الوحيد في الحياة وتهيؤوا لفتح عهد بعث جديد أن ينشؤوا في الجو نفسه ويستوعبوا مفهوم الطاعة جيداً، وإلا كان التشرذم والتفتّت وكل أنواع البؤس والشقاء والخلاف وعدم الطاعة مصير المسلمين". (ص270).

«عليكم بطاعة قائد النظام الإسلامي فقط»

ويبرز الوجه الحزبي الصارم لفتح الله غولن في الاقتباس التالي: "الطاعة أمر خاص بأحوال الجماعة. فما إن يبدأ الناس بالتصرف بشكل جماعي حتى تكتسب الطاعة والانقياد أهمية كبيرة في كل ساحة صغيرة كانت أم كبيرة. يجب على المؤمن معرفة معنى الطاعة وتنفيذها، وقد اهتم الرسول بهذا الأمر اهتماما كبيرا، وعمل كل ما في وسعه لتطوير هذا الإحساس وتنميته".

ومثل هذه "الطاعة" التي لا مجال فيها أحيانا كثيرة للعقل والواقعية السياسية والمصلحة العامة، من أركان بناء "المجتمع الإسلامي" واستمراره الذي يتمناه "الداعية غولن"، والذي يشبه ما نراه في الكثير من الجماعات الإسلامية، من الإخوان وحزب التحرير وحزب الله والدعوة. إلى ربما "القاعدة" و"داعش"!

إنه مجتمع تسلطي يقوم أكثر ما يقوم على مصادرة رغبة أي جماعة أو فئة تقرر عدم الخضوع أو عدم طاعة "ولي الأمر" الذي فرضت الجماعة الإسلامية هذه طاعته! يقول الداعية غولن، وقد غمره الإيمان والحماس للنموذج "الإسلامي" المطلوب: "إن علماء الاجتماع المسلمين متفقون أنه لا يمكن فرض الإسلام الصحيح إلا في مجتمع إسلامي، فإن لم تكن السوق منتظمة حسب المبدأ الإسلامي، وإذا لم تكن المؤسسات التربوية التي تحاول رفع الإنسان إلى مستوى الإنسانية، تأخذ بيدك ضمن نفس الروح والشعور، ولا تسرع إلى نجدتك ولا تنير الطريق أمامك ولا ترشدك فإنك لا بد أن تتعثر بعد بضع خطوات أو تضل أو تنحرف أو تسقط وتضطر إلى إعطاء تنازلات كثيرة باسم الإسلام".

ويضيف "غولن" إن النتيجة: "هي أنك لن تتوقف في العيش كمسلم بشكل تام وغير ناقص، لأن المجتمع سيقوم بقطع الطريق أمامك في بعض الأمور، وسيقطع الشارع في مثل هذا المجتمع الطريق أمامك، والأسوأ من كل هذا أن التربية الخاطئة ستقف أمامك كوحوش وتقطع عليك الطريق، لذا فإن السبيل الوحيد للعيش كمسلم لا يتم إلا بتطبيق الوازع الديني بشكل جدي، ولا يكمل الوازع الديني إلا بتنبيه وإيقاظ القلوب وإيصال الدين وتبليغه للناس وإفهامهم أن الإنسان مسافر وضيف في هذه الدنيا، وأن هذه الدنيا ليست إلا عالما واحدا من العوالم الكثيرة التي سيمر بها الإنسان، إنه كما جاء إلى هذه الدنيا فسيرحل عنها إلى دار القرار. أجل، يجب تذكير الإنسان بهذا وتنمية الوازع الروحي والديني في قلبه كي يستطيع القيام بوظيفة الجهاد بالنفس وبالمال".

تأملات روحية... للتغطية السياسية!

ويلتفت الداعية غولن في كل اتجاه مما حوله، فلا يجد إلا براعم الإيمان وصفوف المصلين وعلامات الخشوع، فيقول مبتهلا شاكراً: "لا تحتاج القلوب الظامئة إلى كلام في هذا الموضوع، ونستطيع أن نقول إنه يوجد اليوم– بفضل الله- من المسلمين المضحين من يستحق أن يأخذ مكانه خلف الصحابة الكرام. نذكر فضل الله هذا ونعمته وننحني بخشوع وخضوع أمام حضور كبريائه. ذلك لأنه في عهد الجفاف هذا الذي لا تنبت فيه الأرض نبتة ولا تمطر السماء قطرة واحدة، ونرى أن الله تعالى ربط بفضله وكرمه كل هذه القلوب المترعة بالإيمان وبعشق الدعوة من جديد بالإسلام، وبالقرآن، وأرجع أمة كاملة إلى الإسلام، وقلب هذه الصحراء القاحلة إلى بساتين مزهرة وإلى جنات وارفة الظلال، فله الحمد حمدا يليق بجلاله وعظمته".

ولكن على المسلمين أن يسرعوا في بناء مجتمعهم الموعود في أسرع وقت، وذلك أن هناك قوى تخريب عالمية تترصد بهم وتعد خطواتهم!

لابد من الإسراع، "قبل أن تحس بنا الأعين الخائنة في الداخل والخارج والتي ترصد وتراقب كل ما يهم المسلمين، وتحاول عرقلة كل شيء إيجابي ومفيد لهم".

وإذا لم ينتبه المسلمون للأخطار المحدقة بهم والأعداء المتربصين- يقول غولن محذراً- "فإن الدنيا بأجمعها ستقف أمام المسلمين الذين يسيرون بين عوائق وموانع عديدة، ولن يستطيع المسلمون قطع طريق سنة واحدة إلا في عشر سنوات، ثم إن قام المسلمون بتنبيه وإثارة الكفر فلن يستطيعوا أبدا الوصول إلى هدفهم؛ لذا كان على المسلمين تناول هذه المسألة وإنجازها بسرعة أكبر".

ويأتي غولن لأتباعه بمثل من واقع تجربة مؤسسته فيقول: "لنفرض مثلاً أن المسلمين يستطيعون بالإمكانات الموجودة في أيديهم فتح مدرسة واحدة في سنة واحدة لإعطاء خدمات التربية والتوجيه لجيلنا، فإن عليهم أن يضغطوا على أنفسهم فيفتحوا مدرستين في سنة واحدة، وهذه عملية ضرورية في عملية إحياء الأجيال القادمة". (ص319-320).

مواعظ غولن: من قوى هدم المجتمعات الحديثة؟

هل يريد الداعية غولن حقاً أن يكون المسلم المعاصر شخصا مفكرا ناقداً متوازنا مستنيرا مثقفا مقبلا على الحياة متقبلا للآخرين ومتسامحا مع الغير؟ وهل مدارسه تعد الطالب نحو هذه الغاية، بعد أن يدرس فيها ويتخرج، ويستقي من مناهج وأفكار الداعية "غولن" وجهاز التدريس الذي يختاره حتماً من المؤدلجين والمؤدلجات، والمرشدين والمرشدات، كما رأينا في المدارس والمعاهد "الإسلامية" في أغلب الأحيان؟

«غولن»: نحن جند الله

ما أبرز ملامح أتباع حركة "غولن"؟ يقول بصراحة نتمنى أن يسمعها الرئيس "إردوغان" صادقة مجلجلة: "الجندية أهم خاصية للمؤمن. فنحن جند الله تعالى، نرجو من الله قبول هذا منا، فطوبى لنا إن كنا جنودا له تعالى بحيث نضع جباهنا وراء عتبة بابه ننتظر هناك إلى الأبد، ندق أحياناً بابه مصوبين بصرنا الحزين- ولكن المملوء أملا أيضا- إلى اللانهاية ننتظر منه الجواب، فإن لم يأت هذا الجواب قلنا "يا صبور" وبقينا ننتظر دون ملل".

ثم يستفيد الداعية من مخزونه الصوفي فيقول: "إن كنا نريد أن نكون جند الله تعالى فإننا مضطرون إلى "الفناء في الله" حسب التعبير الصوفي، وأن نعلم ونستيقن بأن كل الخير وكل المحاسن من الله تعالى، وكل توقف وكل هفوة حاصلة في الخدمة الإسلامية إنما هي من عند أنفسنا". (ص 326).

وهكذا يرسم الداعية غولن ملامح الإنسان المسلم الذي تريده دعوته استعداداً لدخول العصر الجديد!