لا "هدنة اليمن" ستصمد، هذا إنْ تم الاتفاق عليها، ولا أي حلٍّ من حلول سورية المتداولة سيحقِّق ولو الحد الأدنى من النجاح. وأيضاً، ولا حرب "الأمم" على "داعش" في الموصل ستنتهي وفقاً للتقديرات المتفائلة، فكل هذا يشبه القفز فوق حبل مشدود وفي المكان ذاته، إذْ إنّ الطرف الآخر في هذه المعادلات، الذي هو إيران وروسيا... وخلفهما نظام بشار الأسد، لديه هدف "استراتيجي" واحد شجعته ميوعة ورداءة أداء باراك أوباما وإدارته على مواصلة المناورات، وعلى الاستمرار بالضغط لتحقيقه، ولو بالحد الأدنى.

إن هذا هو واقع الحال، وإن الذين يراهنون على محاولات الحلول المطروحة؛ إما أنهم كمن يختبئ وراء أحد أصابع إحدى يديه، حتى لا يرى الحقائق، أو أنه، رغم أن الروس والإيرانيين قد تجاوزوا كل الحدود، لا يزال يعتقد أن طيبة القلب قد تجعل هؤلاء يستقبلون الأيدي الممدودة إليهم بنوايا حسنة بأيدٍ ممدودة وبنوايا حسنة أيضاً.

Ad

لم تعد هناك أمور خافية، فتطلعات إيران باتت واضحة ومعروفة، إلا لمن لا يريد أن يرى ولا يريد أن يعرف الحقيقة، فالهدف المعلن، الذي قاله كبار المعممين، وقاله أيضاً كبار جنرالات حراس الثورة، هو التمدد في هذا الشرق العربي كله، وتغيير "هوية" دول آسيا العربية كخطوة أولى نحو إفريقيا، لإعادة الأمور إلى ما قبل إلغاء صلاح الدين الأيوبي للدولة الفاطمية (الإسماعيلية)... وإلاّ فما معنى أن يجري في سورية وفي لبنان وفي العراق وفي اليمن كل هذا الذي يجري؟ وما معنى أن يصر "الحشد الشعبي"، ومعه العديد من التشكيلات التي ترفع راية التشيع، بينما أهدافها في حقيقة الأمر إيرانية، بقيادة قاسم سليماني، على حشر أنفه في معركة تحرير الموصل التي من المفترض أن تقتصر على الجيش العراقي.

ثم ما معنى كل هذا التفريغ السكاني الذي يقوم به نظام بشار الأسد بتخطيط روسي ومساندة إيرانية في مناطق ضواحي دمشق وفي معظم المناطق السورية وإحلال إيرانيين وأفغان محل سكانها الأصليين الذين ورثوها عن أجدادهم وأجداد أجدادهم، حتى قبل أن تصل إليها الفتوحات الإسلامية، وقبل أنْ تصبح "الفيحاء" عاصمة الدولة الأموية... العربية؟!

وهكذا، فإن ما من المفترض أنه بات واضحاً ومعروفا أن روسيا الاتحادية، التي غدت تسعى لاستعادة مكانة القياصرة ومكانة الإمبراطورية السوفياتية – الشيوعية، قد تحالفت، مبكراً، مع هذه الدولة الإيرانية التي بات شغلها الشاغل التطلع وراء حدودها الغربية، لتحقيق أن تصبح دولة عظمى، ولتحقيق هدف الروس القديم بالوصول إلى المياه الدافئة، ولتقيم هذه القواعد العسكرية التي أقامتها في سورية وإلى "الأبد"، وليس فقط في عهد بشار الأسد... وليصبح البحر الأبيض المتوسط، إذا استمر وتواصل كل هذا التخاذل الأميركي والأوروبي، بحيرة روسية!