يستيقظ في الصباح الباكر، ويتجه مسرعاً إلى العمل مباشرة... دون المقدمات المعتادة، كالقهوة والفطور، والتأنق في الهندام. نعم! فهو لا يحب أن يتأخر دقيقة واحدة عن موعد العمل، بل يفضل أن يأتي باكراً. يقود سيارته بسرعة جنونية ويصل إلى «الدوام» على قيد الحياة بأعجوبة. ينظر إلى المكاتب الفارغة حوله ويسمع صوت العدم، فيتوجه بأقصى سرعة إلى ذلك الجهاز الذي يشهد على حضوره المنتظم والتزامه الناقوسي بمواقيت العمل بالدقيقة والثانية، يطوع إبهامه على علامة (لايك) ويسجل بصمته، ثم يغادر بضعف السرعة التي أتى بها، تعلو وجهه ابتسامة نصر ماكرة، فلقد خدع «السيستم» بذكائه القاصر، ويعود إلى فراشه الدافئ ويستكمل أحلامه.
في هذه الأثناء يحوم موظف غض جديد في مدينة الأشباح الحكومية، حيث لا تزال المكاتب فارغة والهدوء المزعج يخيم على المؤسسة. شيئاً فشيئاً تنطفئ شعلة حماسه، ويبدأ بدوره بالتراخي والإهمال، فلا شيء جديدا يحدث هنا! وثقافة البصمة تلك معدية للغاية.يستفيق صديقنا الموظف من سباته العميق، ما زال هناك متسع من الوقت! يخلع «البيجاما» ويرتدي ثيابه الملائمة للخروج ويقود سيارته الفارهة على غير هدى، ينتهي به المطاف في أحد المجمعات التجارية الضخمة.يلاحظ وجود الكثير من الناس على شاكلته، فيكتفي بالمزاح والسخرية مع أصحابه «كلنا مداومين هني!»، يختم نزهته بغداء مشبع، ثم يتجه متثاقلاً إلى «الدوام» مرة أخرى. يحرص ألا يراه أحد حين يبصم، خصوصاً تلك الحفنة الجادة من الموظفين، فقد أتقن فنون التخفي بدرجة تخوله أن يكون «نينجا»! هكذا ينتهي يوم موظف عادي في مؤسسة حكومية في دولة الكويت.في نهاية كل شهر يتمتع بمرتبه كاملاً! في حين يستلم زميله المرتب منقوصاً على الرغم من حرصه على الحضور الدائم في كل ساعات العمل، حيث إنه يتأخر قليلاً في الصباح لأسباب لا إرادية كالزحام المروري.واقع أقرب إلى السريالية... أم انفصام في الشخصية؟ لا أدري!
مقالات - اضافات
البصمة!
22-10-2016