يتسم وكلاء العقارات في الصين – كما في أي مكان آخر في هذا العالم – بعذوبة الكلام ورقة التعبير والثقة في طرح ما لديهم من منتجات وخدمات، ولكن ليو جندونغ، وهو بائع في شركة عقارية كبرى في المناطق الشمالية من مدينة شنغهاي، قد ابتلي الى حد كبير بالشكوك وعدم التصديق. وعلى سبيل المثال فقد كان جندونغ يتوقع تحقيق حصيلة مجزية في العمل خلال هذه السنة وأن تكون ذات سمة دائمة أيضاً، ولكن بدلاً من ذلك كانت هذه السنة جنونية ومحبطة وقد اتضح ذلك من خلال تردد الزبائن على معارض الشقق والعقارات بشكل متكرر. كما كان البعض من اولئك الزبائن والمشترين المحتملين يأملون في الانتظار حتى تخف حالة الزخم في السوق، ولكنهم أذعنوا وقرروا الشراء بعد أن حققت أسعار العقارات ارتفاعاً أكثر فأكثر من أسبوع الى آخر، ثم إن الشقق في تلك المنطقة من الصين وفي ما كانت تعرف بقرية مالو الريفية لا تزال تعج بالحقول وأسواق مأكولات الجملة، وهي تكلف اليوم 90 في المئة، زيادة عن أسعار سنة خلت – وهو يقول " تبدو مثل فقاعة الى حد ما ".يعمل السيد ليو في شركة محترمة وحتى رئيس مكتب البحوث في البنك المركزي – والذي يعرف في العادة بالحذر والتروي في اختياره للكلام قال إنه يتعين أن تتوقف هذه الفقاعة العقارية قبل أن تزداد ضخامة وتأثيراً، وتجدر الإشارة الى أن أسعار المنازل ارتفعت بنسبة 16 في المئة في السنة الماضية في شتى أنحاء البلاد وبنسبة تصل الى الضعف أو الى ثلاثة أضعاف في المدن الكبرى. وهكذا حاولت أكثر من عشرين بلدية خلال الأسبوعين الماضيين العمل على تهدئة الأسواق وعمدت، على سبيل المثال، الى طلب دفعة أولية أعلى أو الحد من مشتريات سكان مدن اخرى.
تقلبات أسواق العقار
وكما أظهرت نتائج العقد الماضي فإن التقلبات التي شهدها سوق السكن كانت ذات أهمية عالمية وأفضت الى تأثيرات لافتة في قطاع العقار بالنسبة الى الاستثمارات والاستهلاك من حيث المفروشات اللازمة للمنازل الجديدة ويشكل هذا القطاع حوالي ربع الناتج المحلي في الصين، وهكذا كان الارتداد الذي شهدته هذه السنة العامل الجلي وراء الأمل والخوف كما أنه ساعد على استقرار نمو الناتج المحلي الاجمالي عند نسبة 6.7 في المئة وهي أسرع من الوتيرة التي توقعها معظم المحللين في شهر يناير الماضي، اضافة الى أن الطلب الأقوى على الحديد والنحاس أسهم في تحسين مزاج أصحاب المناجم الى حد ما.وعلى أي حال، تراجع معدل التفاؤل نتيجة المخاوف من طبيعة عودة النشاط، وتشير الدراسات الى أن حوالي خمس عدد المشترين هم من المستثمرين وليس من الملاك العاديين، وحسب تقديرات شركة البحوث سي اي بي ام فقد ارتفعت هذه الحصة الى حوالي 60 في المئة المقاطعات الرئيسية في المدن ذات الحجم المتوسط، وكانت العوامل الأكثر اثارة للقلق الزيادة في اقتراض المطورين العقاريين. ويقول جانغ جيوي من بنك دويتشه إنهم عرضة للإيداع في السجن، فإذا كانوا من المحافظين الى حد كبير فقد يتعرضون الى الخروج من السوق ولذلك فقد اختاروا زيادة نشاطهم وقد أسهموا في رفع أسعار الأراضي بنسبة 66 في المئة في هذه السنة وذلك بحسب مؤشر الـ 100 مدينة رائدة. وقام جانغ بفحص 252 من مزادات هذه الأراضي وخلص الى نتيجة تفيد بأن خمسي من فازوا في العروض سوف يخسرون أموالهم في حال استقرار أسعار المنازل ناهيك عن هبوطها. الارتفاع الحاد في أسعار المنازل يبدو أيضاً خارج الانتظام في العمل ضمن الصورة الاقتصادية الأوسع، وقد تباطأ نمو الدخل وجعل بالتالي المنازل أكثر تكلفة، ومن شأن ذلك أن يساعد على شرح الفورة التي شهدها السوق، وخلال عطلة في بداية الشهر الجاري توجهت اعداد كبيرة من الناس الى مراكز البيع عندما طرحت عقارات جديدة في السوق، وفي مدينة شنغهاي ارتفعت حالات الطلاق مع استغلال الأزواج لثغرات في الأنظمة إذ في وسعهما الحصول على معدلات رهن عقاري تفضيلية عند شراء أول منزل، كما أن في وسع الزوجين المطلقين الاستفادة عبر شراء منزلين منفصلين ثم التزوج من جديد.توقعات المستثمرين والمحللين
وقد توقع المستثمرون والمحللون حملة واسعة في أسواق العقار الصينية خلال معظم هذا العقد ولكن لم تكن هناك حصيلة مؤثرة على مستوى البلاد، وضعفت الأسعار لفترة من الوقت وهي سمة نموذجية ترافق تشديد الحكومة على عمليات الشراء ثم انطلقت ثانية كل عدة سنوات. ومع كل مؤشرات الزيادة قام المسؤولون بعمل جيد في حقيقة الأمر عبر التصدي لعملية تعرض محتملة هي الأكبر من نوعها والمتمثلة في زيادة الاقتراض من جانب مشتري المنازل، وعلى الرغم من الارتفاع الأخير في اقراض الرهن العقاري كانت ميزانيات العائلات جيدة بشكل عام، والأكثر من ذلك كانت قوانين الدفعة الأولى تعني أن على المشترين بصورة نموذجية دفع ما يصل الى نصف ثمن المنزل نقداً، وحتى إذا هبطت أسعار المنازل ليس من المرجح أن يفلتوا من ديون الرهن العقاري، ومن شأن ذلك أن يحول دون عمليات حبس الرهن.ولا يعني هذا انكار تعرض سوق العقار في الصين الى متاعب حقيقية، ولكن قد يساء تشخيص هذه "الفقاعة"، ويشير التشخيص الحقيقي الى تباين حاد في امداد ومؤن الأرض – بحسب لاري هيو من شركة الأسهم ماكغواير. ويوجد في المدن الأصغر الكثير من الأراضي الصالحة للبناء ولكن مع انكماش في عدد السكان، أما المدن الكبيرة حيث يريد الناس العيش والعمل فلديها مساحات واسعة ولكنها تطرح كميات صغيرة منها، ولدى مدينة شنغهاي حوالي 1800 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية ولكنها باعت 5 كيلومترات مربعة فقط من أجل بناء المنازل في السنة الماضية. وكما كان متوقعاً كانت الحصيلة موجة ارتفاع في أسعار المنازل.أسباب عدم البيع
ما سبب عدم بيع المزيد من الأراضي في المدن الكبرى؟ القيام بذلك سوف يغير قواعد اللعبة بشكل أساسي ويفضي إلى شعور الكثير من اللاعبين المهمين بالذعر، بحسب رأي السيد هيو. وتعول الحكومات في المدن الكبرى على مبيعات الأراضي على شكل مصدر للدخل وتأمل الحكومات في المدن الصغيرة بأن تفضي هذه القيود الى دفع الناس نحوها. وبكلمات اخرى فإن هذه مشكلة سياسية بقدر ما هي مشكلة اقتصادية. ويعرف السيد ليو جانبي سوق العقار، وقد اشترى قبل عدة سنوات شقة في مسقط رأسه في جيهواشان التي تبعد مسافة 5 ساعات بالسيارة عن الجنوب الغربي، وهي مهملة ومهجورة في الوقت الراهن ما عدا الأسبوع الذي يحتفل فيه بالسنة الصينية الجديدة عندما يعود الى بلدته، ونظراً لأنه صغير السن فهو لا ينوي العودة الى مسقط رأسه بصورة دائمة والجبال هناك رائعة الى حد كبير ولكن البلدة تفتقر الى الأنشطة الاقتصادية، وهو يفضل شراء منزل في شنغهاي في نهاية المطاف وقد بدأ بتوفير المال اللازم لذلك.