13th يعجّ بمظاهر الغضب والفصاحة
نسمع في البداية الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول: «لننظر إلى الإحصاءات. تشمل الولايات المتحدة 5% من سكان العالم ولكن فيها 25% من سجناء العالم. لنفكر بهذه الأرقام». هذه هي مهمة الفيلم الوثائقي الذكي والقوي والمزعج 13th للمخرجة آفا دوفيرني.
يحمل فيلم 13th نبرة غاضبة بكل وضوح ويُلحِق نسبة السجناء في الولايات المتحدة الأميركية بإحصاءات أخرى تبدو مزعجة بالقدر نفسه.يشكّل الأميركيون من أصل إفريقي %6.5 من سكان الولايات المتحدة، و%40.2 من السجناء فيها، فالرجل الأبيض معرّض لدخول السجن في حالة من أصل 17، بينما يميل الرجل الأسود إلى دخول السجن في حالة من كل ثلاث حالات.كيف نشأ هذا الوضع ولماذا؟ كيف باتت الولايات المتحدة تسجّل أعلى عدد من السجناء في العالم؟ وكيف ارتفع عددهم من 196441 في عام 1970 إلى 2.3 مليون اليوم؟
يحمل عنوان الفيلم رقم التعديل الدستوري الذي أنهى مظاهر العبودية، وأخرجته دوفيرني بعد فيلم Selma الذي ترشّح لجائزة أوسكار عن فئة أفضل فيلم، ويأتي ليذكّرنا بأن هذا الوضع لم ينشأ بين ليلة وضحاها.تطرح دوفيرني بديلاً سريعاً ومثيراً للجدل عن التاريخ الأميركي الذي يتعلّمه الناس تقليدياً ويرتبط بدرجة معينة بكتاب A People’s History of US (تاريخ شعب الولايات المتحدة) للكاتب هاورد زين، وتقدّم لنا فيلماً وثائقياً يغطي مجالات متعددة بطريقة منهجية تعكس طبيعة العلاقات العرقية في هذا البلد على مرّ قرن ونصف قرن.
عمل غني
يبدو الفيلم غنياً بوقائع وإحصاءات وأفكار مطروحة على الشاشة كونه يتعامل مع مواضيع كثيرة: يظهر عدد من الأكاديميين المرموقين من أمثال هنري لويس غيتس وميشيل ألكسندر (كاتبةThe New Jim Crow (جيم كرو الجديد)) وأنجيلا ديفيس، فضلاً عن نخبة من الوجهاء، من بينهم السيناتور كوري بوكر ونيوت غينغريتش وغروفر نوركيست.بالإضافة إلى هذه الشخصيات الفكرية المرموقة، يقدّم فيلم 13th مواد كثيرة تدخل في خانة العمل الإخباري والوثائقي (تبدو اللقطات التي تظهر فيها عصابة بيضاء اسمها «ليتل روك» وهي تضرب الصحافي الأسود ل. أليكس ويلسون، محرر صحيفة «شيكاغو ديفاندر» الراحل، مؤثرة جداً).تؤدي الموسيقى دوراً أساسياً في الفيلم أيضاً ولا تقتصر على أغاني مثل نسخة Work Song لنينا سيمون، بل يخصّص العمل مساحة واسعة لعرض كلمات قوية ضمن أغاني راب مثلDon’t Believe the Hype لفرقة Public Enemy.تولّى المسؤول عن المونتاج سبنسر أفيريك الذي يتعامل مع دوفيرني منذ فترة طويلة ويشاركها الكتابة في هذا العمل، جمع أقسام الفيلم بطريقة تسلّط الضوء على قصة حزينة ومأساوية ما زلنا نعيشها حتى اليوم.ثغرة غير مقصودة
يرتكز الفيلم على الفكرة القائلة إن التعديل الثالث عشر في الدستور الأميركي يلغي مظاهر العبودية ولكنه يشمل ثغرة غير مقصودة تتمثل بعبارة «إلا كعقوبة على الجرائم التي يُدان فيها الطرف المعنيّ».يقول الأستاذ جيلاني كوب من جامعة «كونيتيكت» إن المسألة الفعلية بالنسبة إلى منطقة الجنوب بعد نهاية الحرب الأهلية باتت تتعلق بكيفية استبدال 4 ملايين «عبد» شكّلوا عنصراً أساسياً من النظام الاقتصادي في المنطقة.تبيّن أن الحل يرتبط بتنفيذ اعتقالات جماعية على جرائم بسيطة مثل التسكّع والتشرّد وإنشاء نظام تأجير المحكومين الذي يسمح للسجناء بالعمل مع جهات من القطاع الخاص.في الوقت نفسه، نشأ مفهوم سمّاه أحد الأكاديميين «أسطورة الإجرام الأسود» عبر كتاب The Birth of a Nation (ولادة أمّة) للكاتب ديفيد غريفيث في عام 1915، فكانت القصة تتمحور حول صور عنصرية عن سلوك جشع وهمجي، ما أدى إلى عودة ظهور منظمة «كو كلوس كلان» وزيادة عمليات الإعدام خارج نطاق القانون.لاحقاً صدر قانون جيم كرو الذي يرسّخ الفصل العنصري ويصنّف الأميركيين من أصل إفريقي كمواطنين من الدرجة الثانية، ما أدى في نهاية المطاف إلى ظهور مارتن لوثر كينغ وحركة الحقوق المدنية التي سعت، بحسب غيتس، إلى تغيير نظام السجن رأساً على عقب عبر اعتبار دخول السجن لأجل قضية محقّة عملاً نبيلاً.بعد تمرير قانون الحقوق المدنية في عام 1965 لمعالجة ذلك الوضع، يشدد فيلم 13th على زيادة الجرائم والارتداد العكسي «للاستراتيجية الجنوبية الجمهورية» التي نشأت في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون وتركّز على الجرائم بدل الانتماء العرقي لأجل تحويل منطقة الجنوب من المعسكر الديمقراطي إلى الجمهوري.أدت الحرب على المخدرات التي أطلقها الجمهوريون والديمقراطيون معاً إلى توسيع هذه الدينامية، فعلّق غينغريتش على الظلم الذي رافق تجريم تعاطي الكوكايين الشائع في الأحياء السوداء، ويظهر الرئيس بيل كلينتون وهو يعتذر عن دوره في إصدار «قانون الجرائم الجامع» الذي أدى إلى توسيع الاعتقالات الجماعية.إيجاز وتفصيل
يغطي فيلم 13th مواضيع كثيرة لذا يضطر إلى التكلم بإيجاز عن بعض الحوادث التي يذكرها مثل انتحار السجين السابق في سجن جزيرة «رايكرز» خليف برودر، وقتل فريد هامبتون من حزب «النمر الأسود» برصاص الشرطة. لكن يسرد الفيلم بالتفصيل عمل «مجلس التبادل التشريعي الأميركي» المسؤول عن صياغة القوانين التي تفيد الشركات الكبرى المنتسبة إليه. يقول براين ستيفنسون، مدير تنفيذي في «مبادرة المساواة في العدل»: «يبذل بعض الناس قصارى جهدهم كي لا يتراجع عدد السجناء لأن نموذجهم الاقتصادي يتوقف عليهم».كانت دوفيرني تعمل على الفيلم منذ سنوات، لكنّ المشاهد التي تقدّمها عن أعمال العنف خلال المسيرات الخاصة بدونالد ترامب وربطها بتعبير المرشّح علناً عن توقه إلى «الأيام الخوالي» تعطي القصة طابعاً معاصراً تقشعرّ له الأبدان.تعني عبارة «حياة السود مهمّة» التي يقولها أحد المتحدثين في الفيلم أن حياة جميع الناس مهمّة، ويعبّر فيلم 13th عن هذه الفكرة بفصاحة واضحة وبقوة إقناع لافتة.
الموسيقى تؤدي دوراً أساسياً في الفيلم وتخصّص مساحة واسعة لعرض كلمات قوية ضمن أغاني راب