مولد شاعرة
في زمن ينحسر فيه الشعر، ويغادر الجمهور أماسيه، التي كنا نتحلق فيها حول ديوان العرب، في زمن يتراجع ديوان الشعر للأرفف الخلفية بالمكتبات العربية والعالمية، وفي زمن على أغلب الشعراء أن يدفعوا مقابل طباعة دواوينهم الشعرية، في زمن أصبحت ولادة الشاعر أو الشاعرة تمر بمخاضات عسيرة وتعاني الإجهاض المبكر، في زمن ينزوي فيه الشعراء أو ينسحبون من الساحة التي كانت تضج بأغانيهم يصعب الشعر ويندر الشعراء. وحين يولد لدينا شاعر أو شاعرة ليس نسخة مكررة ومملة من سواه يغمرنا فرح استثنائي، ونستعيد الأمل بأن الشعر، على ندرته، بخير. أن تولد شاعرا قويا متمكنا في الإطلالة الأولى لك يجعلنا نثق بأنك تمتلك موهبة الحضور والجرأة على القول وثقل خطاك على أول الطريق. وربما تفاجئنا بأكثر مما نتوقع منك في القادم من الأيام، كما فاجأتنا في إطلالتك الأولى. أن تبدأ قصيدك هكذا:"أنا وسواس خطيئة/ لم يرتكب بعد/ بطني منتفخة/ ولم يمسسني أحد/ فقط ثمة عاقر/ نسيت أولادها في رحمي".
وهكذا كان، هكذا جاءت تهاني فجر الشابة النحيلة التي أفشلت حياتها المرتبكة كل خططها الممكنة، وتركت لها مساحة الشعر شاغرة تستطيع أن تصنع منها الحياة التي تريد. تهاني فجر كان قدرها أن تكون من هذه الفئة التي تصارع من أجل البقاء، الفئة التي اختلف الجميع على تسميتها الاجتماعية "بدون/ غير محدد الجنسية /مقيم بصورة غير قانونية"، هذه الأسماء التي أصبحت بحد ذاتها قصيدة عبثية. "كانت الحرب دائرة/ إلى أن رسمتها على شكل مستطيل طويل/ يشبه مقبرة جماعية".والحرب التي ستبدأ هي الحرب التي عانى منها شعراء وكُتاب سبقوا تهاني فجر، وهي ليست حرب السلطة ضدها، فتهاني شعريا لا ترى في هذا الصراع موضوعا للكتابة. الحرب التي ستواجهها هي محاولة الإقصاء التي سيمارسها ضدها شعراء ومثقفون سيبخلون عليها بأن تنتمي لوطنها الكويت. وربما تعي تهاني ذلك، وتعرف أن المؤسسة الرسمية والأهلية لن تهتم كثيرا بما تكتب، ولن يهمها مستواها الإبداعي. وليس أمامها سوى أن تصمد، كي لا تصاب باليأس والإحباط، وحتى لا تنسحب كما فعل زملاء لها تحت وطأة الظروف ذاتها ومبدأ اللاجدوى. لن أطلب من أحد أن يتبنى تهاني فجر وموهبتها الجميلة سوى القارئ في كل مكان، القارئ الذي لم تعد هناك حواجز بينه وبين الكلمة والإصدار في كل مكان. ولن أطلب من تهاني نفسها سوى أن تعلم بأن نضالها في سبيل قصيدتها يعتمد على قدرتها على التحمل والاستمرار. ستكونين شاعرة من الكويت، وستعيشين شاعرة من الكويت، وستموتين شاعرة من الكويت، حتى وإن نسوا أن يضيفوك في سجلاتهم الرسمية وانثولوجيا الشعر الكويتي وأسقطوا اسمك وهم يعدون أسماءهم. فليس لك سوى صوتك، وهو أقوى من كل هذا."في كل مرة أدسّ حزني في كرات الصوف الملوّنة/ حتى أصبح لدي خيط طويل من الدمع/ طويل جداً/ أبكيه عليك/ ثم أتأمل هذا الحزن/ الذي أحمله/ وهو يحزّ يدي/ كما لو أنه يريد قطعها/ يدي التي كانت تؤلمني/ وأنا أبتسم/ فقط لأبدو جميلة / في الصورة".