لا تثريب على من يتملكه الإحباط من أوضاعنا، فكأن مجتمعنا أصبح البيئة الأثيرة لمشكلات المجتمع الإنساني، تلتقي فيه وتتضافر، فتنقلنا من مأزق لآخر ينعكس كل منها تراجعا حضاريا ومدنيا حادا، والأمر على هذه السوية، لنا الحق في أن نتساءل: كيف بمقدور الإنسان الفرد أن يغير أي شيء؟ نعلم علم اليقين أن ثمة أسباباً تكسب هذا السؤال طعما انهزاميا حين يرن في أذهاننا. ففضلا عن أنه يمس بقوة الطرائق التربوية والتثقيفية التي هندست حياة الإنسان الفرد فإنه يستعرض الأساليب التي يستخدمها الفرد كي يتكيف مع فصول الإحباط والانتكاس التي تصبها صروف الحياة على رأسه بين فترة وأخرى، واستطراداً اجترار ذكريات مؤلمة عن محاولات لم يكن نصيبها سوى الإخفاق والخذلان. ولئن وجدت دائما ملاحظات وجيهة وكثيرة عن حالة الجمود التي ألفينا أنفسنا أسرى لها، تبقى الحقيقة في أننا جميعنا بوسعنا أن نحدث التغيير وقتما نشاء، ولكن علينا أيضا، تحت وطأة حال كهذه، إدراك أن المشكل الحقيقي يثوي في قلب السؤال عما إذا كنا نؤثر في الأشياء بطريقة غير واعية، فلو كان الأمر كذلك فإننا قطعا لن نحصد ما نبتغيه.
ما من شك في أن بعض الأشخاص يتخيل قدرته على تغيير المجتمع أمرا محالا، ولكن أياً كان الحال فإن التفكير والتركيز على تفاعلنا الإنساني اليومي ربما يجعلاننا نوجه أفكارنا إلى مقاصد محددة، وسيكون كل ما سينتج عنها له أثر كبير. هناك بالطبع من يؤمن بأن حياتنا اليومية لا علاقة لها بصناعة التاريخ، وهذا رأي شائع ودارج، فالناس تختزل التاريخ بوقوع أحداث عظمى، أو كما لخصه كارليل بشكل متطرف بقوله إن تاريخ العالم ليس سوى السيرة الذاتية للعظماء، ولكن كما برهن التقدم الإنساني، فإن نظرية "الرجل العظيم" في التاريخ قد اندثرت ولم يعد لها وجود، فقد بات معلوما أن هؤلاء الرجال ما كان لهم أن يقوموا بما قاموا به بمفردهم لولا عوامل عديدة وأفراد كثر، وأغلب الظن أن ذلك هو الدافع وراء اهتمام علم التاريخ بالفصول المظلمة والمطموسة منه.هناك الكثير من الطرائق التي يمكن أن نتحدث بها عن الإحباط الذي يوجهه المجتمع إلينا، كالحديث عن منظومة الفساد وانهيار القيم والتخلف وتنامي التيارات الماضوية، ولكن من الصعب رؤية نصيب كل فرد في صناعة هذا الوضع. والحقيقة أن لكل فرد حرية الاختيار، إذ بوسعه تغيير الأفكار والأعراف التي تعترض طريقه أو لا يلقي لها بالا وذلك أضعف الإيمان.
مقالات
عن أوضاعنا المتردية
23-10-2016