مواجهة التحديات... كيف؟
في حال استمرار الوضع السياسي القائم دون إصلاح سياسي-ديمقراطي جذري ينتج عنه منظومة سياسية متطورة لا أجهزة صورية، ومؤسسات شكلية توجهها الحكومة كيفما تشاء، وتتخلى عنها بجرة قلم متى ما أرادت، فإن مواجهتنا للتحديات الكبيرة القادمة سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى التنموي ستكون ضعيفة إن لم تكن معدومة.
لا يختلف اثنان على أن أمامنا كدولة وشعب تحديات صعبة بعضها أمنية تتعلق بأمننا الوطني ووجودنا جميعاً، لا سيما وأننا جزء من إقليم مضطرب تتشابك فيه وتتناقص أيضاً مصالح دولية، الأمر الذي جعله ساحة صراعات دول رأسمالية كبرى تحاول كل منها تثبيت سيطرتها الاقتصادية ونفوذها السياسي من أجل حماية مصالحها والمحافظة على ديمومتها، كما أن أمامنا أيضاً تحديات تنموية صعبة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط رغم أهميته بل تشمل أيضاً جوانب سياسية واجتماعية بدونها لا يمكن تحقيق تنمية إنسانية مستدامة.ولكن مواجهة التحديات الكبيرة والصعبة والتغلب عليها لن يتحققا في حال استمرار المعادلة السياسية العقيمة الحالية التي تُكرّس عملية احتكار السلطة والثروة، خصوصاً بعد أن تقلصت قاعدة المشاركة الشعبية في صياغة السياسات واتخاذ القرارات العامة، فأصبحت عتبة النجاح في الانتخابات العامة منخفضة للغاية، إذ قد يصل إلى المجلس في بعض الدوائر الانتخابية من يحصل على نصف في المئة من إجمالي عدد الناخبين مع أنه من المفترض دستورياً أن النائب يُمثّل الأمة بأسرها!
هذا ناهيك عن اختلال العدالة الاجتماعية التي ستزيدها اختلالاً السياسات الاقتصادية المنحازة التي وردت في "الوثيقة الاقتصادية" للحكومة، وأيضاً تقييد الحريات، وتفتيت النسيج الاجتماعي الوطني، بحيث تراجع دور الدولة وعادت بقوة، وبكل أسف، أشكال اجتماعية تقليدية كانت سائدة قبل تشكّل الدولة الحديثة، فأصبح الناس وبالذات جيل الشباب في الجامعات وفي المدارس يفتخرون، وذلك نتيجة لاهتزاز ثقتهم بالقانون ومؤسسات الدولة، بهوياتهم الثانوية القبلية والطائفية والعائلية، ويلجؤون إليها من أجل الحصول على حقوقهم الدستورية بدلاً من التمسك بالهوية الوطنية الجامعة والاعتزاز بها، ثم الالتجاء للقانون ومؤسسات الدولة الحديثة للحصول على حقوقهم، أضف إلى ذلك تهميش دور المؤسسة التشريعية بحيث تحولت بعد الانفراد بتعديل النظام الانتخابي إلى مجرد جهاز شكلي يبصم على ما تُقدمه له الحكومة من مشاريع قوانين، مثلما رأينا خلال السنوات الثلاث الماضية. مرة أخرى، فإنه في حال استمرار الوضع السياسي القائم على ما هو عليه، أي من دون إصلاح سياسي-ديمقراطي جذري ينتج عنه منظومة سياسية متطورة لا أجهزة صورية، ومؤسسات شكلية توجهها الحكومة كيفما تشاء، وتتخلى عنها بجرة قلم متى ما أرادت، فإن مواجهتنا للتحديات الكبيرة القادمة سواء على مستوى الإقليم أو على المستوى التنموي ستكون ضعيفة إن لم تكن معدومة، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الكلام الإنشائي المُرسل الذي تردده الحكومة دائماً حول مواجهة التحديات يختلف اختلافاً كلياً عن السياسات والقرارات العامة التي تتخذها، ويلمسها الناس على أرض الواقع.