الأمين العام للاتحاد الفلسفي العربي د. مصطفى الحلوة:

لا يمكن مواجهة «الداعشية» إلا بالفلسفة والفكر

نشر في 25-10-2016
آخر تحديث 25-10-2016 | 00:04
حامل همّ الفلسفة في ظروف تفرض تهميشاً على هذا العلم، إنه الدكتور مصطفى الحلوة الأمين العام للاتحاد الفلسفي العربي الذي أخذ على عاتقه خدمة الفكر الحر القائم على العلم المتخذ من العلمنة إطاراً للتعبير عما يخالج الثقافة من هموم وإشكاليات. ليس من محرمات أمام الفلسفة، برأيه، فهي تتسلح بالكلمة والموقف الجريء الذي لا يخشى في الحق لومة لائم، لتقدم مقاربات مقرونة بالحجة والمنطق للقضايا المختلفة، وتحثّ على التفكير الصحيح بعيداً عن أي اصطفافات دينية واجتماعية وسياسية وغيرها...
حول »الاتحاد الفلسفي العربي« وأهدافه ونشاطاته، ومسيرة الدكتور مصطفى الحلوة في الفكر والأدب والفلسفة، كان الحوار التالي معه.
متى تأسس »الاتحاد الفلسفي العربي« وما أبرز أهدافه؟

مرّ »الاتحاد الفلسفي العربي«، لجهة التأسيس، بمرحلتين، الأولى في العراق، عقب انعقاد المؤتمر الفلسفي العربي الثاني في بيت الحكمة (بغداد) بين 17 و20 مارس 2001. وكان اجتماع لممثلي الأقطار العربية الآتية: المغرب، لبنان، اليمن، السودان، سورية، الأردن والعراق، وتم الاستحصال على ترخيص له، وترأسه آنذاك د. عبد الأمير الأعسم (عراقي).

لكن، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق (2003) وتعرّض مقر »الاتحاد« (بيت الحكمة) للقصف الأميركي، انتقل إلى لبنان، فكانت المرحلة الثانية للتأسيس، وكان استحصال على ترخيص من السلطات اللبنانية، تحت رقم 488/أد، ذلك تحت المسمَّى نفسه، وانتُخب د. أدونيس العكرة رئيساً له، كذلك انتُخب نواب للرئيس، في كل بلدٍ من البلدان العربية المنضوية إلى »الاتحاد«.

يعمل »الاتحاد«، بحسب نظامه الداخلي على: تنسيق جهود الفلاسفة اللبنانيين والعرب، لتعزيز مكانة الفلسفة وتنمية حضورها في الجامعات والمعاهد والمحافل الدولية. تنسيق وتبادل الخبرات بين المشتغلين في الفلسفة، بهدف الارتقاء بالمناهج والبرامج. التفاعل مع الجمعيات الفكرية والعلمية في دول العالم العربي. المساهمة في نشر نصوص الفلسفة، تأليفاً وترجمةً وتحقيقاً للتراث الفلسفي العربي.

أين موقع الفلسفة اليوم في الأوساط الفكرية العربية؟

قدر الفلسفة أن تُصارع للبقاء على قيد الحياة وأداء الدور التاريخي الذي نُدِبتْ له، ويتمثل في الانتصار للعقل وللفكر الحر. ولا نفشي سراً إذا قلنا إن الفلسفة تمرّ اليوم، في عالمنا العربي، بأزمة، إذْ يضيق هامش حضورها، لمصلحة النزعات اللاعقلانية والغيبية، والحركات الدينية المتطرفة، على خلافها.

لعل هذه الأزمة عربياً، هي من تجليات الأزمة التي تعيشها الفلسفة، على المستوى العالمي، ذلك أن عصرنا الراهن، في ظلّ العولمة وثورة الاتصالات الكاسحة، باتَت له أطروحات ومفاهيم جديدة ومسالك مغايرة، لا تأتلف مع أطروحات الفكر الفلسفي ومقولاته ومسالكه.

إشارة إلى أن الفلسفة، في ظل هذا الوضع المأزوم، تحاول التموضع في ميادين جديدة، متمثِّلةً في فلسفة الأخلاق. وهكذا بات لنا اليوم: أخلاق الطب، أخلاق الهندسة الوراثية، أخلاق البيئة... الخ.

ما علاقة الاتحاد بالمؤسسات الثقافية العربية؟

سنداً إلى إجابتنا عن السؤال الأول، فإن «للاتحاد» علاقات وثيقة بالمؤسسات الثقافية والجمعيات الفلسفية سواء على المستوى اللبناني أو على المستويين العربي والدولي. وما شراكتنا الدائمة مع «المركز الدولي لعلوم الإنسان- جبيل» سوى أحد أوجه التعاون مع مؤسسة تعمل في رعاية الأونسكو، إحدى أهم المنظمات الدولية في ميدان التربية والعلم والثقافة. وثمة تعاون مع «الجمعية الفلسفية اللبنانية»، وهي إحدى الهيئات الناشطة في الميدان الفلسفي. علماً أن مؤتمراتنا الفلسفية جميعها، تُعقد بمشاركة مع باحثين عرب وأجانب ينتمون إلى جامعات ومعاهد ومراكز بحث ذات مستوى راقٍ.

قضايا شائكة

ثمة قضايا فلسفية عربية شائكة تتعلّق بالدين وبعض المفاهيم الوجودية فكيف يتعامل الاتحاد معها، خصوصاً أنه ينظّم مؤتمرات في هذا السياق آخرها شارك في مؤتمر المجتمعات متعددة الطوائف في الشرق الأوسط... الذي عقد في سبتمبر؟

ليس من «تابوهات» (TABOUS) لدى »الاتحاد« في مقاربة أي موضوع، وإلاّ فقد مبرِّر وجوده، وليكون انتقاصاً أو تغييباً للدور الذي يتقلّده. ومن يُنعم النظر في موضوعات المؤتمرات التي نعقد، وفي التوصيات التي نخلص إليها، عبر البيانات الختامية، يلمس مدى الجرأة في مقاربة أية قضية، سواء تعلقت بالدين أو ببعض المفاهيم الوجودية، ونحن نصدر أعمال كل مؤتمر في كتاب، ويمكن التحقق عبر ما ننشر مما نذهب إليه.

أما على صعيد المؤتمر حول »المجتمعات متعددة الطوائف في الشرق الأوسط: تاريخ وعطوبية«، فإن »المركز الدولي لعلوم الإنسان« هو من دعا إليه بالتشارك مع بعض الجامعات ومراكز الأبحاث الفرنسية. وكانت لي مشاركة فيه، بصفة شخصية، وليس من موقعي كأمين عام للاتحاد. فقد توليت التمهيد للمؤتمر بمطالعة، وكُلِّفت وضع البيان الختامي الذي صدر بالعربية والفرنسية والإنكليزية.

كيف يمكن للفلسفة أن تواجه التطرف والفكر الداعشي؟

سلاح الفلسفة الكلمة والموقف الجريء الذي لا يخشى في الحق لومة لائم! نحن، في «الاتحاد»، بحكم كوننا مشتغلين بالفلسفة وبحكم تشكيلنا الفكري، علمانيون حتى العظم، من منظور أن العلمنة ليست ضد الدين، كما يُروِّج الجهلة والمتطرفون دينياً. فالدين هو اختيار فردي ويقع في الحقل الخاص للإنسان، يمارس طقوسهُ بحرية تامة، وعن العلمنة فهي تُقيم حدوداً بين الشأن الخاص وبين الدولة، حتى لا يكون اشتباك بين الديني والسياسي، والذي غالباً ما يتمثل بتواطؤ بين هذين الحقلين.

برأيك لماذا تواجه الفلسفة العربية محاولات إلغاء في وقت كانت في أوج ازدهارها في فترة النهضة العربية في عصر الخلافة العباسية؟

ثمة مساعٍ قائمة على قدم وساق في كثير من البلاد العربية تصبّ في تهميش الفلسفة في المناهج المدرسية، وعلى سبيل المثال: المغرب، الجزائر، تونس، ذلك بحكم تأثر حكومات هذه البلاد بالحضور السلفي المتنامي. لبنانياً، فإن ثمة محاولة تهدف إلى إضعاف موقع الفلسفة في مناهج التعليم ما قبل الجامعي، ونحن، كاتحاد فلسفي، نتصدى راهناً لهذه المحاولة التي لم تصل بعد إلى نهايتها، منطلقين من اقتناع مؤداه أن «الداعشية»، بتلاوينها وأغراضها كافة، لا يمكن مواجهتها إلا بتعزيز الفكر الحر والعقلاني، ولن يكون ذلك إلا عبر الفلسفة والفكر العلمي الصِرف.

«مقابسات زريقية»

إلى جانب اهتمامك بالفلسفة لديك اهتمام بالأدب وأصدرت أخيراً «مقابسات زريقية بين شاعر الفيحاء سابا زريق وسابا الحفيد»، فمتى تفيء إلى الشعر والأدب وتخرج من دائرة الفلسفة؟

بحكم اختصاصي، كأستاذ للفلسفة في الجامعة اللبنانية، وبحكم تخصصي أيضاً بالأدب العربي وبالقانون، فإن ذلك شرّع أمامي أبواباً واسعة على بضعة ميادين معرفية. وهكذا، فإن كتاباتي تندرج في إطار الأدب الفلسفي. وفي رأيي أن لا أديب حقيقياً ووازناً من دون تعمقه في الفكر الفلسفي وعلم النفس وعلم الاجتماع وسوى ذلك من علوم إنسانية.

هكذا، فإن دعوتك إلى مغادرتي الفلسفة، فأفيءَ إلى رحاب الأدب والشعر، لا تلقى لديَّ قبولاً، ذلك أن الفلسفة والأدب مُنتسجان فيَّ، في لحمي وعظمي ودمي، انتساج خيوط ثوبٍ ذي ألوان قُزحية، وحاشا أن أكتفي بلونٍ واحد!

«مقابسات زريقية» يتضمن آراءك في الحياة والأدب والسياسة والدين، فما هدفك منه وإلى من تتوجه من خلاله؟

كان الهدف من «مقابسات زريقية»، الذي سُقته في إطار حوار مع شاعر الفيحاء سابا زريق، وبين حفيده القانوني د. سابا زريق، أن أستعيش واحداً من كبار شعرائنا في طرابلس، استطاع أن يختصر، بشعره ونثره، مرحلة امتدت من نهاية الحكم العثماني (الربع الأخير من القرن التاسع عشر) وحتى بدايات الربع الأخير من القرن العشرين، راصداً أحوال طرابلس ولبنان ودُنيا العرب، هموماً وشجوناً، وهو كتاب ممتع، ترسّمت فيه خُطى أبي حيان التوحيدي في «المقابسات»، ووضعتُهُ، بكل تواضع، بأسلوب لغوي، أتفرّد به من بين أقراني الكُتّاب.

هو كتابان في كتاب، كتاب مختص بشاعر الفيحاء، وكتاب يحوي كثيراً من نظراتي في موضوعات الحياة والسياسة والدين والمجتمع، ويقع في 600 صفحة من القطع الكبير.

ما جديدك الذي تعمل عليه راهناً؟

لي تحت الطبع مرجع ضخم (800 صفحة) بعنوان «من ذاكرة طرابلس والشمال المعرفية/ سبعون كتاباً في كتاب»، وهو عبارة عن مراجعات نقدية لسبعين مؤلَّفاً في مختلف الميادين المعرفية، وسيُطلق في نوفمبر 2016، قيد الإعداد: «محكية طرابلس المتقادمة/ قراءة ألسنية/ اجتماعية/ نفسية».

.

الشباب والحراك الثقافي

حول مدى تأثر الشباب بالحراك الثقافي في عصر العولمة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ومدى اقترابهم من الفكر والفلسفة يوضح د. مصطفى الحلوة: «هذه مسألة تستحق المقاربة بشكل جدِّي وموضوعي، عبر ندوة أو محاضرة أو ورشة عمل.. وباختصار فإن اهتمامات ناشئتنا اليوم هي خارج الحراك الثقافي «التقليدي» والذي عفّى عليه الزمن، والمنتمي إلى عصر، حسبما أرى، في طريق الزوال!».

يضيف: «لستُ ضد بعض الاهتمامات التي يمارسها شباب اليوم والمتسلِّح بثقافة مغايرة لثقافتنا – نحن حراس الثقافة التقليدية- من هُنا يجب أن نتفهم هواجسهم وتطلعاتهم والانتظارات. وبتفصيل، لستُ ضد وسائل التواصل الاجتماعي، فعبرها نستطيع الخروج من دوائرنا المعرفية الضيقة إلى ساحات أرحب، وبسرعة قياسية، ولكنني ضد تحولها إلى ما يُشبه «المخدّر»، من خلال ما تفيض به علينا من معلومات، صارفة العقول عن توسّل الفكر النقدي، وذاهبةً بمستخدميها إلى مطارح تُنافي القيم الأخلاقية».

يتابع: «أرى أن المسألة تستحق اهتماماً من مثقفينا ومن المشتغلين بالعلوم الإنسانية، فيجترحوا وسائل جديدة وأساليب غير تقليدية للتواصل مع الأجيال الصاعدة، وعدم رميهم بنعوتٍ غير مُستساغة. إذا كنا نعتقد – بحق أو بغير حق- أن أجيالنا الحاضرة، هم ضحايا هذا العصر، بعولمتِهِ وبثورة اتصالاته، فإن للضحية أسبابُها التخفيفية، من منظور القانون. إن الأمر يستحق تفكيراً هادئاً ومعمقاً للتعاطي مع هذه الأجيال، وليست لديَّ مقترحات جاهزة. علماً بأنني دُعيت منذ بضعة أشهر إلى ندوة، أكببت فيها على مقاربة أزمة الثقافة وموقع أجيالنا من هذه الأزمة».

الفلسفة تحاول التموضع في ميادين جديدة متمثِّلةً في فلسفة الأخلاق

مؤتمراتنا الفلسفية تُعقد بمشاركة مع باحثين عرب وأجانب
back to top