«الأنا والهُم والوطن» حفنة من أشخاص يحضرون جميعاً في الحكاية، حكاية منيف بطل رواية «فاقد الهوية» افضل رواية لكاتب ناشئ 2015 بقلم حنان فرحات، وغيره ممن غادروا لبنان إلى عكا في أربعينيات القرن العشرين، ثم عادوا إلى وطنهم في التوقيت الخاطئ، الأمر الذي جعل الوطن يقرأهم رقماً كما اللاجئين... وما عليهم إلاَّ إثبات لبنانيتهم على صعوبة هذه المهمة. وكما تقول الكاتبة: «الرواية عن لبنانيين هاجروا إلى فلسطين، ثم عادوا إلى لبنان خلال النكبة الفلسطينية بعد أن فقدوا جنسيتهم، ومن هنا نتناول أيضاً قضية حق المرأة في إعطاء جنسيتها لأولادها».بهذا المعنى فإن مشروع حنان فرحات الروائي هذا، مؤسس منهجياً وفق استراتيجية زمكانية، تنهض على مبدأ الاستمرار عبر تتالي الزمان، والتموضع في مدى مكاني متعدّد الأبعاد والتجليات، فهو مرآة لسيرة جماعية تمتدّ على جغرافيا واسعة بين لبنان وفلسطين وفترة تاريخية تبدأ من عام 1948 حتى عام 2010. احتوى مضموناً حكائياً حاملاً طروحات فكرية وقضايا مصيرية ذات أبعاد تاريخية، وجغرافية، وثقافية انعكست في مصائر الشخصيات عبر أجيال.
ولكل حكاية حيزٌ في الرواية يطرحُ قضية: «الوطن، الانتماء، الجنسية، الهوية، الغربة، السلطة، المواطنة» وغيرها من قضايا، تمّ التعبير عنها وفق اشتغالية سردية تنهض على أساس التنويع المتجدد في الآليات الصياغية تلك القادرة على نقل الحكاية شكلاً ومضموناً إلى المتلقي؛ وإذ الرواية مزيج من الأمكنة والأزمنة والحكايات المتعاقبة يجمعها نص واحد، ويفرق بينها التاريخ والجغرافيا والقوانين.
اللغز
من أجواء الرواية نقرأ: «اللغز ما عاد لغزاً. تنقص الصورة بعض التفاصيل. لنقل أن منيفاً لم يسافر إلى فلسطين، بل جدّ جدّه الذي فعل. ولنقل أنّه لم يرَ رابعة يوم كانت طفلة.. بل كبرت في أحضان الرفيد حتى جاء زائرٌ إلى القرية.. قيل إنه تاجر أسماكٍ ذائع الصيت من عكّا.. يُدعى منيف. وحين حُملت أمتعتها على الدواب، وترأست الموكب بجانب فارسها، لوحت رابعة بيديها لوالديها، وللصديقات اللاتي لم يكنّ صديقات، ولطيفِ المستقبل الذي رسمته يوماً لها إذ ابتعدت عن القرية.. لوحت للوطن، وارتمت في حضن زوجها الذي جاء من الغربة، ليصبح الوطن.لكن أن تفرح في الغربة كأن تزهر في الشتاء.. ستبقى خائفاً من عاصفة صقيع تيبس براعمك».