تتحرك تيارات الإسلام السياسي في المنطقة التي يقودها الآن التنظيم الدولي للإخوان ضمن استراتيجية واحدة وتكتيكات مرحلية مختلفة يتبناها كل تنظيم بما تمليه ظروف كل بلد على حدة؛ بشرط ألا تثير غضب الأنظمة العربية التي وفرت وما زالت توفر لهم البيئة المناسبة لممارسة النشاط السياسي تحت غطاء الشعارات الدينية. أما في ما يتعلق بسياساتهم الاقتصادية فهي، كما الوثيقة الاقتصادية للحكومة، تدور في مجملها وبصرف النظر عن التفاصيل أو المسميات في فلك النهج الرأسمالي النيوليبرالي الذي تتبناه أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، وبالطبع هناك دول راعية مثل تركيا وقطر توفر الدعم السخي والضيافة لتيارات الإسلام السياسي السنّي وبالذات التنظيم الدولي للإخوان المنتشر في جميع دول العالم.
وفي السنوات القليلة الماضية حدثت تغيرات كبيرة في المنطقة نتج عنها خسارة "الإخوان" لبعض مراكزهم ومصالحهم، وفقدان ثقة الناس بعد اكتشافهم زيف الشعارات التي رفعوها، ونكثهم وعودهم، وتعطشهم للانفراد بالسلطة، وهو الأمر الذي فرض تكتيكات مرحلية أو مناورات سياسية انتهازية في طريقة عمل التنظيم الدولي للإخوان، وذلك بحسب ظروف كل بلد وطبيعة نظام الحكم كي يحافظوا على مواقعهم السياسية، ومصالحهم الاقتصادية المتشابكة مع الأنظمة العربية التي فقدوا بعضها أو كادوا منذ عام 2011، وهو ما لاحظه الجميع في الكويت، على سبيل المثال لا الحصر، سواء في مواقف وبيانات "جمعية الإصلاح الاجتماعي" التابعة للإخوان، أو في الموقف الأخير الذي اتخذته "حدس" الذراع السياسي لجماعة الإخوان في الكويت عندما قرروا المشاركة في الانتخابات العامة بعد مقاطعة ترتبت على انفراد الحكومة بتعديل النظام الانتخابي، وهو الموقف الذي شكّل مفاجأة قوية لمن لا يعرف طبيعة فكر جماعة الإخوان وأساليب عملها وتكتيكاتها الانتهازية، حيث إنهم يجيدون عملية توزيع الأدوار، ولديهم دائما سلّة مواقف تجد داخلها الموقف ونقيضه معاً. لقد شكّل موقف "حدس" مفاجأة للبعض لأنه يتناقض تناقضاً كلياً مع موقفهم السابق والتصريحات الحاسمة والقوية لمعظم قياداتهم، ومن ضمنهم نواب سابقون، والتي ما زالت موجودة بالصوت والصورة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كانوا يدعون بحسم لمقاطعة الانتخابات العامة، ويرفضون رفضاً قاطعاً مبدأ المشاركة ما لم يتغير نظام "الصوت الواحد"، ثم استداروا فجأة بمقدار 180 درجة، ونكثوا وعودهم للناس لا سيما الشباب الذين ما زال بعضهم في السجن للآن، مع أنه لم يطرأ أي تغيير إيجابي في الظروف والمعطيات المتعلقة بعملية تطوير النظام الديمقراطي وإصلاح المنظومة السياسية يستدعي انقلابا دراماتيكيا في الموقف السياسي.على أي حال، فإن ما سبق يؤكد مرة أخرى ما ذكرناه مراراً، وهو أن تيارات الإسلام السياسي بشقيها السنيّ والشيعي (الأخيرة تتحرك بحسب بوصلة إيران) لا تعترف بالقيم الديمقراطية والحريات، فذلك يتعارض مع مبادئهم ومنطلقاتهم الفكرية، ولا يرد ذكرها إطلاقاً في أدبياتهم، إذ إنهم يعتبرون الديمقراطية مجرد آلية ووسيلة لفرض توجهاتهم، وأيضا سلّم قد يمكنهم في يوم ما من الوصول إلى السلطة والاستئثار بها، وقد أثبتت الأيام أن الغاية بالنسبة إليهم تبرر الوسيلة، فشعارات مثل الحرية والديمقراطية والمدنيّة والكرامة التي كان بعض عناصرهم يرفعونها في بعض الدول العربية أثناء ما سُمي "الربيع العربي" هي مجرد شعارات فارغة، الهدف منها إرضاء الجماهير الغاضبة وكسب ودها مؤقتاً كي يمكن عن طريقها الوصول إلى السلطة، وهو ما حصل فعلاً في مصر وتونس.
مقالات
عن استدارة «الإخوان»
26-10-2016