رياح النوايا
أليس غريبا أن يشتكي المرء ظلماً هو صانعه؟! أن يظل المرء ممسكاً بجمرة ذات لهب ويشتكي ظلم النار؟! هذا ما يفعله كثير منّا في كثير من قصص الحب التي عشنا تفاصيلها أو سمعنا بها، كثير من أبطال تلك القصص يظل ممسكاً بقبضة قلبه على حبيب لا يشبه شيئا بقدر ما يشبه الجمر، حتى إذا أصبح قلبه رماداً أطلق صيحته في العراء طالباً الأخذ بثأر قلبه، وإنصاف مشاعره ممن تسبب لها في الأذى، وغرس على مداخلها حقولا من الشوك.
من بين ملايين البشر على الأرض يختار أحدنا فردا ليلفّه بورق الورد، ويقدم هذا "المُختار" هديّة لقلبه كحبيب أو صديق أو قريب من ذلك، مؤمناً بأن هذا الشخص دوناً عن كل من على الأرض هو من يريده قلبه بشدة ويتمناه، ويقوم بعمل كل ما يلزم من مكياج الوهْم ليغطي كل عيوبه ما ظهر منها لقلبه وما خفى، ويزوّر سيرته الذاتية ويسِم فيها بخط الهوى كل ما ينقص ذلك "المختار" ليصبح نور العيون وشجرة الروح، ويكتشف بعد رماد القلب أن نور العيون ذاك قد رمى به إلى موطن الأسى، وقاده إلى سجن الظلام، وأن شجرة الروح تلك لا ظل لها، وثمرها الجراح التي بلا ضماد، وأنه منح من روحه لشخص برغم كل ما جمعهما... لا يعرفه! حكايات متشابهة وإن اختلفت التفاصيل وبعضنا ربما مرّ بهذا الجرح بقلبه، وربما وجد بعض أبطال هذه الحكايات عزاء وهم يرددون "نحن لا نعلم النوايا" أو "عذرنا أننا نجهل ما في النفوس"، إلا أن مثل هذا العزاء غير صادق، ولا يصلح ملصقاً إعلانياً لعلاج يُعلّق على باب جرح، نعلم أن الله وحده يعلم ما في النوايا وما تخفي الصدور، ومن عدله أن ضمن لنا أنه لن يصل إلى ما في صدورنا إلا ذو قلب سليم، ولأننا بشر لا يوجد على الأرض من ليس بقلبه شائبة، ولذلك تخطئ قلوبنا بحجم تلك الشائبة، وتضل بوابة الصدور بقدر ما تغطيه في قلوبنا، وليس من الحكمة أن نزيد رقعة الضلال بلافتة "أننا لا نعرف النوايا"، هذه الجملة بالكاد تصلح كمهدئ آني لكنها لا ترتق عُري جرح، وقبل أن نعلّق "سقوطنا" على "الطريق"، علينا نزع شيء من غشاوة قلوبنا لترى، فما تخبئه الصدور تقرأه البصيرة وليس البصر، فالدمعة يراها كل مبصر، إنما يقرأ صدقها كل بصير، فلنحرص على نزع العصابة عن عيون قلوبنا حتى وإن كان قماشها من حرير قبل أن نبَرئ أنفسنا من أي جرح يصيب قلوبنا، ولنتخلص من جمرات قلوبنا إن استطعنا، ولنحرص في المرة الأخرى على حسن الاختيار، ولا ندع ذلك لرياح النوايا!