بات الذهاب إلى إدارة الرقابة لإجازة الكتب أشبه بزيارة بيت الرعب، لكن الفرق أنها في وزارة لا مدينة ملاهٍ، فقد كانت لي زيارة في أبريل المنصرم لهذه الإدارة لإجازة روايتي "فلتكوني بخير" الصادرة من لبنان، لتوزيعها في الكويت، ولكي تشارك في معرض الكتاب، وهو ما كنت أنتظره منذ بداية العام؛ للالتقاء بالقراء من بلدي ومشاركتهم الآراء حول الرواية، لكن تنامى إلى علمي أن الرواية تم تحويلها إلى لجنة لفحص مضمونها، وهو ما جعلني لا أطمئن أمانة، وبعد ذلك علمت أن كتابي مُنع بسبب صفحة واحدة وجد المراقب أنها تنافي الآداب العامة!

الكتاب يدور حول صحافي حرب يجوب العالم ويكتب تحقيقاته، ويمارس عمله الصحافي أيضا في الكويت وخارجها، ويدعو الكتاب لاحترام الآخر دون النظر لجنسه ومذهبه، ويمكن تصنيفه بأنه رواية تدعو للسلام وتعرّي العنصرية والممارسات غير الأخلاقية، فهي تمثل عكس ما منعت من أجله تماما، وهل يعقل أن يتم منع كتاب كامل بسبب كلمة في صفحة؟

Ad

وحين خاطبت واحدة من أعضاء اللجنة قالت: احذفي الصفحة واطبعي طبعة ثانية بدونها وأبشري!! أبشر بماذا؟ بتشويه معنى القصة؟ بمنعي من تعرية الأخطاء التي تنتشر في المجتمع؟ هكذا بكل بساطة طلبت مني أن أشطب صفحة قد تجعل من فصل مهم في الكتاب غير مفهوم، فقط لأن أعضاء اللجنة أجبن من وزراء الكويت المعروفين بخوفهم الدائم.

والأغرب هو إجازة كتب ليست سوى مرتع للرذيلة، ويتم بيعها وإعادة طباعتها بشكل سلس، مع أنني ضد منعها أيضا لأني على يقين أن القارئ يجب أن يمتلك حرية الاختيار دون أن يمارس عليه دور الوصي، ولكن حين تصبح واحدة من أعضاء هذه اللجنة أو العاملين فيها منقبة، وتمتنع عن الرد بالهاتف على الرجال لأن صوتها عورة، كيف لي أن أستغرب ألا يتم منع كتابي؟

ونحن كشعب جبل على حب القراءة والفن نستنكر أن تتم معاملتنا كقُصّر نحتاج لمن يقرر عنا ماذا نقرأ ونرى؟ ولكن لا عتب على وزارة الإعلام التي ارتعدت خوفا من نائب دخل المجلس شهرا واحدا فقط، حين طالب وزير الإعلام بمنع حفلات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب واصفا إياها بالماجنة، لأن شخصاً قال له ذلك حتى دون أن يراها هو!

وبالفعل ارتعدت الوزارة والمجلس ووعدت بالتحقيق في هذا الموضوع، وعلى ذلك سيتم طمس هويتنا ككويتيين متذوقين للفن ومحبين للثقافة والقراءة، ليتم تحويلنا إلى غلاة ومكفرين، فنفرح بممارسة دور الوصي والمفتي على الآخر، وبعدها تقوم وزارة الإعلام بالمطالبة باحترام الآخر ومحاربة الإرهاب الفكري، فما يجري من منع هو الإرهاب الفكري لعقولنا.

قفلة:

عزيزي المواطن: جميعنا محبطون من الأوضاع في مجلس الأمة الكويتي، لكن امتناعك عن التصويت لن يصلح البلد، بل ستساهم في فوز من لا يستحق، فاختر أفضل السيئ على الأقل.