كثرت في الآونة الأخيرة شكاوى المسافرين إلى الولايات المتحدة الأميركية، من إجراء خطير تقوم به إدارة الهجرة والجمارك الأميركية في مطاراتها، بالاطلاع وتفتيش أجهزة الهواتف المحمولة والكمبيوترات الشخصية، بل حتى نسخ محتوياتها بغرض التفتيش، بممارسة تنتهك أبسط حقوق الإنسان في الخصوصية، إذ إن غالبية الأحكام القضائية في العالم تعتبر جهاز الهاتف المحمول والكمبيوتر أدوات شخصية يحظر انتهاكها إلا بموجب أمر قضائي ناتج عن تحريات وأدلة أو اتهام صريح بجريمة ما.هذا الإجراء اللا إنساني يستهدف العرب والمسلمين بشكل خاص في المطارات الأميركية، ونادراً ما يتعرض له الأوروبيون وبقية البشر، لذلك لم تتحرك المنظمات الحقوقية الأوروبية والأميركية ضده، بينما منظمات حقوق الإنسان العربية لم تفعل أي شيء حياله، مثل إصدار بيانات شجب أو حتى تحريك دعاوى قضائية ضده داخل أميركا وخارجها، وكأن الأمر لا يعنيها.
حقيقة الوضع أن الإنسان العربي أو المسلم غالباً، أو أي إنسان آخر يقف في المطارات الأميركية عارياً ضعيفاً منتهكة حقوقه وأسراره أمام إنسان متغطرس يفتح جهاز هاتف المسافر فيطلع على كل أسراره، محادثاته مع أسرته، صوره الخاصة، بيانات بنكه الشخصي، الذي يستطيع أن يطلع من خلالها على رصيده وحالته المالية، وتقاريره الطبية، وحتى الأدوية التي يتعاطاها، ويستطيع أن ينسخ هذه البيانات، ليستدعي مترجماً يطلع عليها جميعاً ويشرحها له دون أي اتهام أو ذنب اقترفه، فكل إنسان في مطارات العم سام متهم حتى تثبت براءته، وسيقول لك الأميركي إن قاضياً فيدرالياً سمح لهم أن يجردوا البشر من آدميتهم على حدود أميركا!مؤخراً أخبرني صديق عربي أن طالباً عربياً يُحضر دراسات عليا في الولايات المتحدة، عند عودته إلى أميركا منذ شهور طلب منه موظف الجمارك أن يطلع على محتويات "اللاب توب" الخاص به فأذعن لذلك، لكنه أراد أن يطلع على الملفات الخاصة به، فأخبره أنها تتعلق بأبحاثه الخاصة بالدراسات العليا، ولا يمكن أن يطلعه على نتائجها وفحواها، فرد عليه: من حقي أن أطلع على كل شيء!... هذا ما وصلت إليه القيم الأميركية تجاه حقوق الإنسان وحريات البشر.الواضح أن أميركا ماضية في انتهاكات حقوقنا، والأوروبي والياباني والكندي يعلمون أنهم غير مستهدفين بهذه القرارات في المطارات الأميركية، لذا فإن منظمات حقوق الإنسان لديهم لا تتحرك ضدها ولا تقاومها، بينما منظماتنا العربية للدفاع عن حقوق الإنسان صامتة صمت القبور تجاهها، فما الضير أن تتحرك المنظمات العربية بإصدار البيانات الشاجبة لتلك الممارسات الأميركية، وترفع الشكاوى لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.في هذه الظروف لا يُعرف عدد من انتهكت حقوقهم من العرب في المطارات الأميركية، ولا توجد جهة أهلية أو رسمية تقوم برصد ذلك، وكذلك عدد الطلبة الذين فقدوا بعثتهم ومستقبلهم الدراسي بسبب تلك الإجراءات، فهناك 15 ألف طالب كويتي و120 ألف طالب سعودي في الجامعات الأميركية يتعرضون لتلك الممارسات، فهل يقوم ناشطون حقوقيون برفع قضايا تعويض في الكويت والسعودية ضد السفارات الأميركية، بسبب إلغاء بعثات طلبة خليجيين نتيجة ممارسة غير إنسانية وبدون أدلة بتفتيش أجهزتهم الخاصة، أعلم أن السفارات لديها حصانة، ولكنه موقف لإثبات حق إنساني، وكذلك حق مواطن فقد مستقبله، والأموال التي صرفها في الجامعات الأميركية دون استكمال دراسته، بسبب غطرسة أميركا وانتهاكها حقوق الإنسان.
أخر كلام
غطرسة أميركا... وصمت «حقوق الإنسان» العربية!
27-10-2016