«ليال شعبية»!
أغلب الظن أنك إذا سُئلت عن أشهر الليالي، وأكثرها غموضاً، فإنك سُتجيب فوراً: «ألف ليلة وليلة»، التي عُرفت لدى الغرب باسم Arabian Nights، وتضمّ باقة من القصص الشعبية، يصل عددها إلى ما يقرب من مئتي قصة يتخللها شعر، وقع بعض أحداثها الخيالية في غرب آسيا وجنوبها، وجُمِعت وتُرجمت إلى العربية خلال العصر الذهبي للإسلام بينما يرجع تاريخها الحديث إلى عام 1704 ميلادية عندما ترجمها المستشرق الفرنسي أنطوان جالان إلى الفرنسية، في حين صدرت النسخة الإنكليزية الأولى سنة 1706، وصارت مصدر إلهام لكثير من الرسامين والموسيقيين ثم السينمائيين. ثمة «ليالٍ عربية» أخرى تقترب، في غموضها وإثارتها وتشويقها، من «ألف ليلة وليلة» تلك التي يفاجئنا بها «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، ويحرص عليها في دورته الثالثة عشرة (7 - 14 ديسمبر 2016)، كونها تعكس التعاون الوثيق بين سينمائيي الشرق والغرب، وربما تُظهر العمق والاتساع الثقافيين، بالإضافة إلى رصدها الواقع الراهن في العالم العربي، مثلما يحدث في فيلم «محبس» للمخرجة اللبنانية صوفي بطرس (الأم التي تعيش في قرية جبليّة لبنانية، وتنشغل بالتحضير لزيارة خطيب ابنتها الوحيدة، بصحبة عائلته، وتزف الخبر لشقيقها المتوفي خلال الحرب الأهلية، عبر صوره الُتي تُذكّرها بالمأساة، ومع وصول الضيوف تحدث الصدمة)، بينما يجمع المخرج والكاتب هادي غندور في فيلمه «المسافر» بين الكوميديا والدراما (الزوج والأب اللبناني الذي يعمل في وكالة سياحة وسفر ويحلم بالسفر حول العالم، وينتهز فرصة إرساله في رحلة عمل إلى باريس ليتعرف إلى قريبته الشابة والجميلة، لكن شخصيته تتغير، وينسى مبادئه وهويته وعائلته). أما المخرجة صولين يوسف فتشارك بفيلمها «منزل بلا سقف»، المُستوحى من الشجن العراقي (أشقاء ثلاثة وُلدوا في كردستان العراق، وترعرعوا في ألمانيا، واضطروا إلى العودة إلى العراق لدفن والدتهم، ومع اختلاطهم بعائلتهم الكبيرة يكتشفون مدى ابتعادهم عن أصولهم، وأهمية استكشاف وطنهم وهويتهم)، فيما يُشارك المخرج الجزائري الفرنسي رشيد جعيداني بفيلمه «جولة فرنسية»، مقدماً منظوراً فريداً عن المصالحة بين الأجيال والثقافات المتناقضة (مغني راب يضطر إلى الهروب من باريس، إثر مشادة عنيفة مع خصمه، ويقترح عليه منتجه العمل سائقاً لدى كهل فرنسي فتنشأ بينهما صداقة غير مُنتظرة، في رحلة مميزة تنتهي في مرسيليا، رغم الفارق الكبير في السن بينهما، واتساع الاختلافات الثقافية).
وتتواصل رحلة الفكر والخيال في «ليال عربية» من خلال الفيلم غير الروائي «استعراض الحرب»، الذي يتعاون فيه المخرج الدنماركي أندرياس دالسجارد مع المنتجة والمذيعة السورية عبيدة زيتون (وقائع في حيوات مجموعة من الأصدقاء خرجوا في تظاهرات مارس 2011، وهم على قناعة بأن حقبة «الربيع العربي» ستشمل بلدهم، وتغادر إحداهم دمشق، وتجول في مختلف أنحاء البلد، موثقة الحوادث السورية)، بينما يتناول فيلم «ورقة بيضاء» للمخرج الفرنسي هنري برجيس قضية فريدة (صديقتان لبنانيتان تدمنان لعبة القمار، سعياً إلى الهروب من حياتهما الزوجية المملة، لكن المجتمع العربي يُحرم القمار خصوصاً بين النساء)، ويشارك المخرجان فيليب جاندت وميكي يمين في تقديم الفيلم غير الروائي «نادي غزة للتزلج» (في ظل الحصار الذي تعانيه غزة، وعزلتها عن العالم الخارجي، والبطالة التي يعيشها شبابها، وتتنامى حركة شباب يهوى التزلج على الماء، ما يمنحهم هامشاً بسيطاً من الحرية). أما الفنان التشكيلي الإيطالي يوري أنكاراني، الذي عُرف بدمج السينما المعاصرة مع السينما غير الروائية، فيقدم فيلم «التحدّي»، الذي يصوّر المخرج أثناء رفقة أحد ممارسي رياضة الصيد بالطيور الجارحة، وتحضيراته لمسابقة تنطلق في قلب صحراء قطر، وتصبح فرصة للتعرف إلى تاريخ هذه الرياضة التي تعود إلى نحو أربعين قرناً، وكيفية الحفاظ على مكانتها في الثقافة العربية المعاصرة.«لطالما اعتُبر «ليال عربية» برنامجاً أساسياً مهماً للاحتفاء بالسينما العربية التي تصلنا بالعالم، وتصل العالم بهذه المنطقة الثرية بالقصص الإنسانية، إضافة إلى كونه نقطة التقاء مهمة لحوار الثقافات، نظراً إلى أن تشكيلة الأفلام الجديدة تعالج وجهات نظر متباينة في العالم العربي وخارجه، وتقدّم واقعه بمنظور مختلف»، قال مسعود أمر الله آل علي المدير الفني لـ «مهرجان دبي السينمائي الدولي».. ومن باب التواضع لم يذكر أنه أحد أكثر برامج المهرجان «شعبية»!