(لا يزال كتاب "تاريخ الكويت" للشيخ عبدالعزيز الرشيد "1887-1938م" المصدر الأول والأهم للباحثين في تاريخ الكويت، رغم مرور تسعة عقود منذ صدور طبعته الأولى.والمؤلف مؤرخ غير تقليدي، لم يسلك سبيل مَن يؤرخون لحوادث السنين، أو لسير الحكام، بل سعى إلى تقديم صورة شاملة وموجزة للكويت من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ومن الأمثلة الدالة على أهمية ما كتبه الشيخ عبدالعزيز عن الحركة العلمية والثقافية، أنه ترجم لعدد من الأدباء الذين برزوا في بداية القرن العشرين، ونشر نماذج من إنتاجهم الشعري، ولا تزال تلك النماذج هي كل ما عرفناه عنهم.كما تفرَّد الشيخ عبدالعزيز بتوثيق الصراع الفكري الذي كان قائماً في الكويت في مطلع القرن العشرين بين دعاة الإصلاح من جهة، وممثلي التيار المتشدد في فهم الدين من جهة أخرى، ومن المؤكد أن المؤلف بذل جهوداً كبيرة في سبيل إنجاز مشروعه المهم، كما تحمَّل قدراً من الأذى، نتيجة جرأته في نشر قناعاته).هذا ما قدَّم به د. خليفة الوقيان للطبعة المجددة لكتاب "تاريخ الكويت"، التي أصدرها حفيد الشيخ عبدالعزيز (خالد عبدالقادر الرشيد)، حيث تستعيد الذاكرة الوطنية ما أسهمت به تلك القامة الكويتية الشامخة، التي ملأت دنياها ببذل وعطاء وجهد تنويري وتثقيفي وتأريخي خالد عبر الأجيال.ما أنجزه وقام به منفرداً العلامة الشيخ عبدالعزيز أحمد الرشيد البداح خلال سنوات عمره، التي لم تتجاوز الواحد والخمسين عاماً،هو جهد يوازي إنجاز مؤسسة ثقافية متكاملة، ولم يمنعه في بذله وعطائه وكفاحه الفكري والثقافي شح المال، ولا كون زمانه ملتفاً بدثارات ثقيلة من التحجر الفكري والتزمت الديني في عشرينيات القرن الماضي، والتي وقفت بالمرصاد لجميع جهود التجديد والتنوير التي تصدى لها مصلحو الكويت الرواد، وفي طليعتهم الشيخان يوسف بن عيسى القناعي وعبدالعزيز أحمد الرشيد.أن يصدر الشيخ عبدالعزيز وثيقته الخالدة (تاريخ الكويت)، ويصدر بعدها مطبوعاته ومجلاته الشهرية المتوالية (الكويت والكويت والعراقي والتوحيد)، ليتعهد بطباعتها خارج الكويت ويشرف على تحريرها وتوزيعها ونشرها بالداخل والخارج، فإنه أقام شاهداً له بالريادة الصحافية، وللكويت بالريادة الفكرية والثقافية في محيطها العربي.لم يعبأ ذلك الشاب القدوة، مثل أبناء جيله، بالتجارة وتنمية المال، بقدر انشغاله بنشر العلم والتجديد في الفكر الديني، الذي نهل علومه، متنقلاً بين أرجاء المعمورة في ذلك الزمان، من بغداد والإحساء والزبير والمدينة المنورة والقاهرة إلى إندونيسيا وسنغافورة وغيرها من البلدان، واجتهاده لتطوير التعليم في بلاده، بإنشاء مدرستي العامرية والأحمدية التاليتين للمباركية، وصموده أمام القوى الظلامية المسيطرة والكاتمة، آنذاك، على أنفاس التعليم، فإن ذلك كله قام دليلاً على أن الريادة لا تنعقد إلا لأولي العزم والإصرار وذوي الهمم العالية من الرجال الذين يصنعون أمجاد أوطانهم.نتذكر تلك القامة الشامخة، في إطار أمسية أقامتها رابطة الأدباء الأربعاء الماضي، احتفاءً به وبرفيق دربه المصلح الكبير الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، ونتحسَّر على تراجعنا، وما آلت إليه أوضاعنا، كما هي أوضاع عالمنا العربي التعيسة والمرتهنة للفكر المتشدد والمنغلق في شتى الميادين.
أخر كلام
6/6 : الشيخ عبدالعزيز الرشيد
28-10-2016