انتفاضة 26 نوفمبر
بغض النظر عن الأسباب المعلنة والخفية التي أدت إلى حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات مبكرة فإن القرار أثلج صدور الغالبية من أبناء الشعب الكويتي، وشفى غليل الكثيرين الذين كانوا يرون في المجلس المنحل مجرد أداة طيعة في يد الحكومة استطاعت من خلاله تمرير العديد من القوانين الجائرة والمثيرة للجدل، وفشل في الدفاع عن حقوق المواطنين ومكتسباتهم، وتسبب في حالة من السخط والغضب بين جميع الفئات، ثم حاول نوابه في دور الانعقاد الأخير أن "ينفشوا ريشهم" ويتكسبوا انتخابياً بالأسطوانات المشروخة نفسها التي لم تعد تلقى قبولاً لدى المواطنين، حيث سارع الكثيرون منهم إلى تقديم استجوابات هزيلة "لا تسمن ولا تغني من جوع ولا طعم ولا لون لها"، وجاءت معظمها متأخرة التوقيت، وركيكة في الصياغة ومفضوحة في الغايات والأهداف.ولعل الغضب الذي كان مكبوتاً في الصدور من المجلس السابق وعبر عنه المواطنون عقب قرار حله ينسف الإنجازات التي يتغنى بها بعض من يريدون تسويق أنفسهم واستعطاف الشعب لإعادة اختيارهم مرة أخرى، ويكفي أن نذكر هؤلاء أن مجلسهم أقر عدة قوانين كانت مصدراً للاستهجان وإثارة الفرقة بين أبناء الوطن، ومنها قانون البصمة الوراثية المعيب الذي تفضل صاحب السمو وطلب إعادة النظر فيه، وقانون حرمان المسيئين من الترشح في الانتخابات والذي كان هدفه تصفية بعض المعارضين سياسياً، وقانون زيادة رسوم الكهرباء والماء، كما أن المجلس المنحل لم يستطع الوقوف أو فعل شيء أمام رفع الدعم عن المحروقات، وبعدها البنزين الذي ترتب عليه زيادة أسعار العديد من السلع والخدمات.
ومن المآخذ التي يمكن أن نقف أمامها فيما يخص المجلس المنحل أنه لم يراقب الحكومة بالشكل الذي أقره الدستور فيما يخص تطبيق القوانين التي أقرها، مثل قانون مكافحة الفساد الذي ماطل في إصدار لائحته التنفيذية وقانون منح الجنسية الكويتية لعدد محدد كل عام، والذي أصبح مجرد حبر على ورق، وقانون تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة، حيث لا تزال الأمور عالقة والخسائر مستمرة، كما أنه وقف عاجزاً عن حل الأزمة الرياضية التي حرمت الأبطال الكويتيين من رفع علم بلادهم في المحافل الدولية، وكذلك مواجهة الفساد والتجاوزات التي تم اكتشافها في العديد من الهيئات والوزارات، والفشل في التصدي لقضية العلاج بالخارج التي أهدرت من خلالها الملايين، فضلاً عن أنه مرر العديد من ميزانيات المؤسسات الحكومية التي شابها الكثير من الفساد بشهادة ديوان المحاسبة دون حساب أو إصلاح.وفي كل الأحوال فإن المجلس المنحل ذهب إلى حال سبيله بسلبياته الكثيرة وإيجابياته القليلة، ونحن هنا لسنا بصدد البكاء على اللبن المسكوب، ولا نريد أن ننبش الماضي الأليم، خصوصاً أنه أصبح الآن أمام المواطنين فرصة ثمينة لإعادة حساباتهم وتقييم أداء من منحوهم أصواتهم لتمثيلهم تحت قبة عبدالله السالم، في ظل الأوضاع الإقليمية المحيطة بنا، والتي تتطلب منا جميعاً التكاتف وتقوية الجبهة الداخلية والتمسك بوحدتنا الوطنية، كما أن عودة المعارضة والمقاطعين للمشاركة مرة أخرى في الانتخابات المقبلة ستمنح قبلة الحياة للساحة السياسية، ومن شأنها أن تخلق جواً من المنافسة الديمقراطية الشريفة ليصل من يستحق ومن يسعى إلى خدمة الوطن والمواطنين إلى المجلس، ونتمنى أن يكون التغيير بحجم التحديات التي نواجهها، وألا يكون في الأشخاص فقط إنما في السياسات والأفكار، سواء فيما يخص النواب أو الحكومة التي سيتم تشكيلها، كما نتمنى أن تتعاون السلطتان من أجل النهوض بالكويت والمضي قدماً في خطط التنمية لتحقيق طموحات المواطنين التي طال انتظارها. وفق الله عز وجل الجميع لما فيه خير بلادنا الحبيبة ومصلحتها ونهضتها.