الرواية العربية والأدب
صراخ الإخوة العرب بعد منح الشاعر والمطرب العالمي بوب ديلان جائزة نوبل للآداب كان بالإمكان تبريره لو أننا نفوز بالجائزة كل 10 أعوام مثلا، أو أننا ننافس عليها بشخصية مختلفة كل عام.ولكن هي مرة يتيمة فزنا بها، وتعالت أصوات كثيرة من قلب ثقافتنا تشكك في هذه المرة اليتيمة. ولأني أقف إلى جانب المؤيدين لمنح الجائزة لبوب ديلان لأسباب أهمها الاعتراف بأجناس أدبية أخرى تستطيع الجائزة منحها شرعية أدبية. والشعر الشفاهي وطريقة تقديمه فنيا هو أحد هذه الأجناس، وربما ابتكر الإنسان في المستقبل أجناسا أدبية أخرى يبدو تقبلها في بادئ الأمر صعبا، وهو ما حدث للمسرح والرواية من قبل.لن يفاجأ الإخوة العرب، تحديدا، لو منحت الجائزة لروائي أو شاعرأو مؤلف مسرحي، ولن يحتجوا على اعتبار أن الرواية والمسرح أجناس أدبية معترف بها. ولكن هل كان الأمر كذلك في بدايات العمل الروائي؟ وهل كان الروائي وليس الرواية فقط شخصية مقبولة اجتماعيا؟
لم تكن الرواية التي نشأت في أوروبا في القرن السابع عشر واشتهرت في القرنين التاليين، ثم شهدت تطورا يشبه الانقلاب على كلاسيكياتها في أوائل القرن العشرين على يد جيمس جويس وفرجينيا وولف ووليم فولكنر، لم تكن هذه الرواية جنسا أدبيا محترما في العالم العربي حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. لم يعتبر كثير من النقاد الرواية أدبا وكانت الرواية عملا وضيعا لا ينتمي للأخلاق الرفيعة بصلة وتعتبر أقل شأنا من الآداب الأخرى والشعر تحديدا. وحين نشرت رواية "زينب" في أوائل القرن العشرين، وهي الرواية التي تعتبر بداية نشأة الرواية العربية، رغم الخلاف حول ذلك، لم يحتف بها صاحبها محمد حسين هيكل ورفع اسمه عن غلافها، ليضع اسما مستعارا "مصري فلاح" بدلا منه.فلم تكن مكانة الرجل الاجتماعية والمنصب الحقوقي الذي حصل عليه عائدا من فرنسا، متأثرا بالأدب والفلسفة هناك، يسمحان له باحتمال أن يطلق عليه "صاحب حواديت".كانت تلك الإهانة التي توجه لكتاب القصص والتي يرفض مجموعة من النقاد، ومنهم العقاد، ضمها للأدب والاعتراف بها. وحتى الروائي الوحيد الذي حصل على "نوبل العرب للأدب" كان ينشر قصصه ويدعي أنها ليست له، بل لشبيه له في الاسم.كان ذلك حال الرواية والروائي في العالم العربي في الوقت التي ترى فيه أوروبا أنها تتجاوز الرواية التقليدية نحو الرواية الحديثة. فالرواية العربية حينها لم تكن عملا مرفوضا أدبيا فقط، وإنما ليست من الأجناس الأدبية وقصص للعامة والطبقات الدنيا من المجتمع. وبالتأكيد هي لا تستحق جوائز عالمية كنوبل مثلا والتي لم نكن أصلا نفكر بها حينها. احتلال الرواية اليوم مكانة فاقت بها مكانة الشعر لم يكن أمرا سهلا، ولن يكون الأمر سهلا حين يطرأ جنس أدبي جديد نحن لا نعرفه ولا نمارسه. فليس في حياتنا الثقافية بوب ديلان أو ليونارد كوين، ولا يمثل الشاعر الموسيقي جزءا من ثقافتنا.