لم يجد نيكولا ساركوزي أفضل من ركوب الدراجة الهوائية لساعتين ونصف الساعة لتخفيف الزكام البسيط الذي التقطه منذ بضعة أيام. بعد جولته في كورسيكا، خصّص الرئيس السابق يوم السبت 22 أكتوبر الجاري للراحة والتجوال والبحث عن أبسط تشجيع من الناس الذين يقابلهم. صرخ صيادون على طريقه: «ساركو! نحن نتكل عليك ونتمنى لك التوفيق!».

يحتاج هذا المرشّح إلى تخفيف الضغط الذي تراكم في حياته على مرّ الأسابيع السابقة التي لم تكن إيجابية بقدر ما توقّع. هل يشعر بالقلق من تفوّق آلان جوبيه الواضح في استطلاعات الرأي؟ هل أخطأ في اختيار استراتيجيته الانتخابية؟ كانت إجابته هادئة حين تحدّث إلى مجلة «باري ماتش» وكأن وضعه ممتاز: «هل أشعر بالخيبة؟ أنا؟ بل العكس صحيح. مع تقدّم هذه الحملة، أشعر بأنني ألبّي توقعات الناخبين الذين يطالبون بحكم بديل صريح وقوي. سيعود عدد كبير من الناخبين الذين اتجهوا نحو «الجبهة الوطنية». أدرك وجود نخبة باريسية وإعلامية صغيرة ضدي وسبق لها أن أعلنت فشلي. لكنّ هذه الأطراف تحديداً ستفاجأ كثيراً!».

Ad

أول جولة

مع اقتراب أول جولة من الانتخابات التمهيدية بعد أقل من شهر، يصارع ساركوزي ظروفه ويحاول التكيّف مع معادلة سياسية معقدة لكن لا تبدو عليه علامات الخيبة والإحباط. بل يظهر هادئاً على نحو مفاجئ. من الواضح أن هذا الرجل المتمرّس في السياسة تعلّم درسه وبات يتجنّب العبارات العشوائية التي أساءت إليه كثيراً في الماضي.

لا ينجح ساركوزي، بعد شهرين على بدء حملته، في مواكبة وزير الخارجية السابق في عهده. تبدو حملته غريبة لأنها تحاول تعبئة داعميه وخصومه على حد سواء. استعادت الحملة المضادة لساركوزي زخمها. فهم الرئيس السابق أنه لن يتفوّق في أول استحقاق بسهولة.

رغم هذه الظروف كلها، لن يتخلّى ساركوزي عن مساعيه. يكفيه أن يحصد بعض الأصوات الإضافية التي تسمح له بالعودة إلى الساحة السياسية. ربما يكون واحداً من آخر الأشخاص الذين يظنون أن فرانسوا هولاند سيكون مرشحاً في السنة المقبلة بعدما تخلى عنه معظم أعضاء الحزب الاشتراكي. لكنه يقول عنه: «فرانسوا هولاند يعيش حالة من الاكتئاب. شاهدتُه في الطائرة التي أقلّتنا إلى إسرائيل لحضور مأتم شيمون بيريز. كان سلوكه غريباً...».

يركز على مستقبله

لكن لا ينشغل رئيس الجمهوريين السابق بهولاند بل يركز على مستقبله. لن يغير ساركوزي شيئاً في استراتيجيته بل سيتابع رسم خطه اليميني بامتياز لأنه مقتنع بأن معظم الناخبين يؤيد هذا الخط: «لدي خبرة واسعة وذاكرتي قوية. في أكتوبر 2011، أعطت استطلاعات الرأي %65 لهولاند و%35 لي. حتى أن بعض الاستطلاعات توقع خسارتي منذ الجولة الأولى. لكن في النهاية، كان الفرق بسيطاً جداً. أظنّ أنني أحصد دعم %50 من الجمهورييين وآلان %25. في الانتخابات التمهيدية لمعسكر اليمين، من الأفضل أن يكون المرشّح متفوقاً في حزبه أليس كذلك؟ إذا لم أفز أنا، ربما تفوز مارين لوبان في السنة المقبلة. آلان معروف بتوجّهه الوسطي وسيجد صعوبة في مواجهة بايرو. حتى الآن أنا أحميه. لكن حين أختفي من الساحة، ستمزّقه وسائل الإعلام!».

قال السياسي الفرنسي فرانسوا باروان لمجلة «لو فيغارو»: «يُعتبر فرانسوا بايرو أحد اللاعبين الأساسيين الذين أوصلوا فرانسوا هولاند إلى السلطة». أما ساركوزي، فاعتبر آلان «بلا حيوية» قائلاً: «يصبّ آلان كامل تركيزه على المواقف الوسطية واليسار. تحمل هذه المقاربة مجازفة كبرى لأن عدد الأشخاص الذين سيأتون للاقتراع لن يكون كبيراً. أملك قاعدة أكثر صلابة. يشبّهون الأشخاص الذين يؤيدونني بالطائفة لكني بعتُ منذ بداية السنة 300 ألف نسخة. تحمل هذه الأرقام معنىً معيناً. في المقابل كم باع آلان؟ لن يحقق آلان جوبيه شيئاً. سيكون نسخة من هولاند ويتحالف مع بايرو».

تزداد حدة النبرة المستعملة بين المعسكرين. لكن يحرص معسكر آلان جوبيه على عدم إعلان الفوز المسبق استناداً إلى استطلاعات الرأي. لا يُظهر ساركوزي من جهته أي مؤشر على توتره بل يقول بكل قوة: «أنا مثل الأسد الجائع الذي يبحث عن فريسته».

أنا أو الفوضى

بين «حكيم» بوردو والأسد الجائع، لا يمكن أن يكون التناقض بين المرشّحَين أكثر وضوحاً! سأل رؤساء الشركات في «تولون» ساركوزي عما سيفعله كي يكسب أصواتهم فأجاب: «أولاً، يجب ألا تضعوني في مصاف هولاند والآخرين! إما أن نغير الوضع جذرياً في عام 2017 أو نعود بعد عشر سنوات ويكون معظمكم اتجه نحو «الجبهة الوطنية» وتصبح شركاتكم في الخارج. نجلس على برميل بارود!».

يوحي كلامه بشعار «أنا أو الفوضى!». قبل أيام من الجولة الأولى، بدأ السباق مع الوقت. وفق حسابات مساعدَي ساركوزي لوك شاتل وكريستيان جاكوب، إذا حصد مرشّحهم 150 صوتاً في كل مكتب اقتراع، سيجمع الأصوات الضرورية للفوز (مليون ونصف مليون صوت). سيبذل فريقه قصارى جهده إذاً لحصد عدد الأصوات اللازم قبل موعد الجولة الأولى. يتخذ هذا الإجراء شكل خطة طوارئ.