رسالة للدكتور طارق البرادعي

Ad

عقب نشري مقال "لا عزاء للمقاطعين" يوم الأحد الماضي 23/ 10، وصلتني رسالة من الأخ والزميل الدكتور طارق البرادعي يعقب على مقالي برسالة رقيقة، يقول فيها: استمتعت بقراءة مقالكم اليوم، ولكن كما تعلمون فإن المقاطعة أحيانا قد تكون السلاح الوحيد للتعبير عن موقف رافض لإضفاء الشرعية على مسلك ما للسلطة.

وكنت قد زعمت في مقالي السابق أن عزوف البعض عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي تجرى الآن في الكويت يتعارض وقاعدة أصولية تقضي بأن يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وأن ما يصيب الممارسة البرلمانية من ضرر بسبب عدم مشاركتهم في المسيرة الديمقراطية هو الضرر العام والأشد.

وليس ما دفعني إلى أن أطرق هذا الموضوع مرة أخرى رسالة د. طارق البرادعي فقط، وأنا مدين له بالشكر على ما ورد فيها من عبارات رقيقة، بل لسببين آخرين: أولهما ما صرح لي به أحد هذه القامات، بأن سبب عزوفه عن المشاركة في هذه الانتخابات وغيرها هو ما الذي يستطيع أن يؤديه من ترشح من أقرانه، وأنه لا يخشى عليهم من الفشل فيها بل من الفوز بعضوية المجلس، إذا ظلت الممارسات البرلمانية السابقة تلقي بظلالها على المجلس القادم، باعتبارها سوابق برلمانية استقر عليها المجلس السابق.

السبب الثاني هو المقال القيم للكاتب الكبير وناشط حقوق الإنسان د. غانم النجار الذي نشر على صفحات "الجريدة" يوم 26 من الشهر الجاري تحت عنوان "قاطعوا ثم شاركوا... فهل يعتذرون؟".

صدمني العنوان وأعجبني المقال

وبقدر ما صدمني العنوان، حيث فهمت منه خطأ أنه يدعو كل من شارك في هذه الانتخابات من المقاطعين إلى الاعتذار، بقدر ما أعجبني بعد أن قرأت المقال كسائر المقالات التي يكتبها الدكتور غانم، والزاخرة بالتحليل السياسي الجيد والعميق.

فيقول في هذا المقال: "أما بالنسبة إلى العائدين من المقاطعة فليس هناك فرق بين أن يعتذروا أو لا، ويبقى الاعتذار أو عدمه أو الاستقالة وتبريرها مجرد أغطية سياسية لمواقف ذات علاقة بانتخابات لن تصلح من اختلال الوضع الديمقراطي.

فالسياسة تقدير موقف، وليس مطلوباً منهم، كدفاع عن أنفسهم، السباحة في ملكوت الوهم بأنهم سيحققون ما لم يتحقق، أو أنهم جاؤوا وعادوا استجابة لنداء الوطن، فعودتهم ليست إلا اقتناعاً بأنهم لن يكون لهم دور سياسي إلا داخل البرلمان، وهي نقطة الضعف في النظام السياسي الكويتي.

المطلوب بدلاً من الاعتذار الإقرار بأن نظامنا السياسي محدود، وأحياناً يكون محدودا جداً، وعلى الرغم مما يبدو فيه من إمكانات، فهو نظام وراثي، محكوم دستورياً، الإصلاح فيه بطيء، وأحياناً بطيء جداً، والأهم من ذلك أن موازين القوى محسومة، وهي بيد السلطة. فمن يريد المشاركة فعليه أن يدرك ذلك، وفي ذلك الإطار يتحرك، وبالطبع من المتوقع أن تحدث قفزات إصلاحية هنا وهناك، لكنها لن تحدث بشكل جذري يعيد بناء ميزان القوى، على الأقل ليس على المدى المنظور".

وقد أختلف مع كاتبنا الكبير في أن نقطة الضعف تلك لا تقتصر على الكويت بل تنطبق على مصر وعلى غيرها من أنظمة الحكم في عالمنا العربي.

رسالة أخرى من قارئة

كما تلقيت رسالة أخرى من القارئة الكويتية ن. خ. ع تسألني: هل كانت دراستك التي نشرت على صفحات "الجريدة" يوم 26/ 6 التي نبهت فيها إلى الأثر الرجعي للقانون رقم 27 لسنة 2016 الذي نص على حرمان كل من أدين بحكم نهائي في إحدى جرائم الإساءة إلى المولى أو الأنبياء أو الذات الأميرية من حق الانتخاب، وليس كل من يدان، باعتبار أن هذا الحرمان ليس أثرا عاديا لمراكز قانونية نشأت وتكونت قبل ذلك، بل عقوبة جزائية من بين العقوبات التبعية التي حددها قانون الجزاء، هي التي أدت إلى العدول عن الأثر الرجعي لهذا القانون في تصريحات المسؤولين المتتالية ابتداء من رئيس مجلس الأمة السابق والقادم بإذن الله؟

وأقول للقارئة العزيزة، ليست الدراسة ولكن الغضبة الشعبية التي صاحبت هذه الدراسة وعاصرتها، من أن يكون لعقوبة جزائية أيا كانت أثر رجعي، وهو ما يخالف قول المولى عزو وجل "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، وقرينة افتراض البراءة في الإنسان التي تؤسس على هذه الآية الكريمة، وهي العقيدة الغائرة في ضمير هذه الأمة ووجدانها وقد جسدها دستورها في المادة (34).

كما استقر هذا المبدأ فى مفاهيم الدول المتحضرة، وأكدته العديد من المواثيق الدولية، من بينها الفقرة الأخيرة من المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة الأولى من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 7 من الاتفاقية الأوروبية لحماية الإنسان.

ولعل القارئة على حق، ليس بسبب استخدام القانون المطعون عليه صيغة الماضي عندما حرم من حق الانتخاب "كل من أدين" ولم يستخدم صيغة المضارع "كل من يدان"، بل كذلك فيما أكدته المذكرة الإيضاحية للقانون عندما ورد في عجزها وبالحرف الواحد "وتقديراً لعظمة الذات الإلهية و... فقد أعد هذا القانون المرافق ليمنع من ممارسة حق الانتخاب بأثر مباشر من يوم نفاذه وليعمل مقتضاه في أية جريمة من الجرائم المذكورة".

وهو ما لا يرد أبدا في أي مذكرة إيضاحية تعليقا على مادة العمل به، إلا إذا كان التعليق بهدف تبرير الأثر الرجعي الذي قرره القانون.

وغنيّ عن البيان أن الحرمان من حق الانتخاب من يوم نفاذ القانون– كما قررت المذكرة الإيضاحية- كأثر مباشر لهذا القانون، لا يعني إلا أن يقع أن فعل الإساءة وتقديم البلاغ والتحقيق فيه والمحاكمة وصدور الحكم، والطعن فيه وصدور حكم نهائي بالإدانة، أن يقع كل هذا في يوم واحد هو يوم نفاذ القانون، وإذا أردت أن تحدث العاقل فحدّثه بما يعقل.