أكاذيب ليبرمان وتفنيدها
عندما يتحدث ليبرمان عن مشروعه لترحيل الفلسطينيين الصامدين على أرضهم في الجليل والمثلث منذ عام 1948، فإنه يبشر بالتطهير العرقي من جديد، وهذه ليست مجرد أفكار، إنها مشروع لاستخدام نهج فاشي ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك يجب التصدي له دون تباطؤ أو تردد.
حاول وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان عبر تصريحاته الأخيرة نشر العديد من الأكاذيب التي لا بد من تفنيدها، لأن هدفه تضليل الرأي العام الفلسطيني بمعلومات وتحليلات كاذبة. الكذبة الأولى تتمثل بتكرار الادعاء المعروف أن إسرائيل انسحبت من قطاع غزة بالكامل، وإسرائيل لم تنسحب بل استبدلت الاحتلال المباشر بالاحتلال الإلكتروني، وهي تسيطر على أجواء قطاع غزة وعلى مياه غزة الإقليمية وعلى كل المعابر، وتحاصر غزة برا وبحرا وجوا.ولو كانت قد انسحبت فلماذا تمنع الصيادين من تجاوز خط الستة أميال في البحر، ولماذا تحلق طائراتها على مدار الساعة فوق القطاع، ولماذا تقتطع 96 كيلو مترا مربعا من أراضي قطاع غزة التي لا تزيد مساحتها على 360 كم مربعا، وتجعلها منطقة محظورة على الناس والمزارعين، ومن يدخلها تطلق عليه النار ويتعرض للقتل.
ولم تسحب إسرائيل مستوطناتها من غزة إلا بعد أن جففت مياهها واستنزفت مواردها فأصبحت 96% من المياه مالحة أو ملوثة وغير صالحة للشرب. وهي أعادت الانتشار إلى خارج قطاع غزة لأنها لم تعد قادرة على السيطرة عليه بسبب المقاومة، ولأنها أرادت فصل مليوني فلسطيني هناك عن الضفة الغربية والقدس لتسهيل ضمها وتهويدها ولتخفيف تأثير العنصر الديمغرافي.وخلال الأعوام العشرة الماضية شنت إسرائيل على غزة ثلاث حروب مدمرة أزهقت خلالها أرواح الآلاف ومنهم نحو ألف طفل.ثم يقول ليبرمان، لقد تسلم الفلسطينيون كل أرضهم، أي أنه يؤكد نواياه باعتبار الضفة والقدس وكل أراضي فلسطين أرضا يهودية. الكذبة الثانية أن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والسؤال كيف تكون إسرائيل دولة ديمقراطية وهي تواصل تهجير ستة ملايين لاجئ فلسطيني، وتواصل الاحتلال الأطول في التاريخ الحديث، وترسخ منظومة الأبارتهايد العنصرية الأسوأ في تاريخ البشرية ضد الفلسطينيين. أي ديمقراطية تقتل المئات من الأطفال وتستخدم الاعتقال الإداري وتعاقب الناس لمجرد تعبيرهم عن رأيهم، وتحرم الفلسطينيين حرية التنقل والحركة وممارسة الشعائر الدينية. إسرائيل ليست ديمقراطية، بل دولة احتلال وأبارتهايد، وديمقراطيتها محصورة فقط باليهود الإسرائيليين. الكذبة الثالثة أنه يدعم حل الدولتين، ولكن دون وقف الاستيطان، ودون رسم حدود للدولة الفلسطينية ودون إلغاء ضم القدس ودون السماح لأي لاجئ بحق العودة. الكذبة الرابعة أن إسرائيل عرضت في كامب ديفيد وأنابولس دولة على الفلسطينيين لكن قيادة منظمة التحرير رفضتها، وهذه من أكثر الأكاذيب شيوعا في الإعلام الإسرائيلي الموجه للعالم. أنا أتحدى أن ينشر القادة الإسرائيليون من السابقين إلى الحاليين خريطة واحدة لما عرضوه أو يوافقوا على عرضه. أتحدى أن تقول المنظومة الحاكمة في إسرائيل بكل مكوناتها للعالم ما هي حدودها وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لم ترسم حدودها. ما يخفيه ليبرمان ونتنياهو وممثله غيلدرمان أن عرضهم في كامب ديفيد كان سيبقي الحدود مع الأردن وغور الأردن وعدد كثير من المستوطنات والقدس بكاملها تحت السيادة الإسرائيلية، وهذا ما لم يمكن أن يقبله أحد، وعرضهم في أنابوليس كان أسوأ وأقل وضوحا.ولم يوجد حتى الآن من بيرس إلى نتنياهو رئيس وزراء إسرائيلي واحد يقبل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، بل كل همهم تحويل الفكرة إلى حكم ذاتي هزيل تحت السيطرة الإسرائيلية. الكذبة الخامسة أن الفلسطينيين مسؤولون عن فشل اتفاق أوسلو، مع أن القاصي والداني يعلم أن الاستمرار في الاستيطان والاحتلال ورفض حكام إسرائيل مناقشة قضايا الحل النهائي كانت هي السبب، وإن كانت القيادة الفلسطينية قد أخطأت في شيء فهو أنها وقعت ذلك الاتفاق دون وقف الاستيطان ودون تحديد النتيجة النهائية بقيام دولة مستقلة على كامل الأراضي المحتلة، ودون أن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية كما اعترفت منظمة التحرير بإسرائيل. الكذبة السادسة أن الفلسطينيين بحاجة إلى قيادة أخرى بديلة تقبل التوقيع على اتفاق الحل النهائي، فما يريده ليبرمان ليس قيادة توقع على اتفاق على حل، بل أشخاصا يوقعون على اتفاق استسلام لإسرائيل واحتلالها ويتخلون عن القدس والأراضي التي تحتلها المستوطنات وعن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ويقبلون بالسيادة والسيطرة الإسرائيلية . هو يريد عملاء لا قادة، ولن يجدهم، وإن وجد من يقبل هذا الذلّ فلن يستطيع فرضه على الشعب الفلسطيني. الكذبة السابعة الادعاء أن حجم المستوطنات هو فقط 1.4%. وهذا رقم تقصد الدعاية الإسرائيلية تصغيره لتخدير الفلسطينيين والمجتمع الدولي إزاء التوسع الاستيطاني الخطير، والحقيقة أن الأرض الممنوحة للمستوطنات كنطاق بلدي تتجاوز 7% من مساحة الضفة، والأخطر أن هناك 120 نقطة استيطانية تعمل إسرائيل على تشريعها الواحدة تلو الأخرى لتصبح مستوطنات جديدة، أما المساحة الحقيقية التي تسيطر عليها المستوطنات فهي 42% من الضفة الغربية، والنوايا التي أعلنها وزراء إسرائيليون كنفتالي بينت وأوري أرييل (وهما يشاركان ليبرمان بأنهما مستوطنان أيضا) هي ضم ما يسمى مناطق (ج) أي 62% من مساحة الضفة الغربية للمستوطنات، وهذا ما لمح له نتنياهو عندما قال إن مناطق (ج) يقطنها 100 ألف فلسطيني فقط.لا يستطيع ليبرمان أن يخدع أحدا، بأكاذيبه، ولا إخفاء حقيقة أن بقاء المستوطنات والمستوطنين يعني عدم قيام دولة فلسطينية، ويعني قتل حل الدولتين الذي يدعي موافقته عليه.الكذبة الثامنة أن حكومته توافق على بناء مشاريع للفلسطينيين لتحسين وضعهم غير أن ذلك يتناقض مع حقيقة أن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من البناء في القدس، وفي مناطق (ج)، أي في أكثر من نصف الضفة الغربية، وأنها خلال السنوات العشر الأخيرة هدمت 2000 منزل في القدس، وهناك الآن عشرة آلاف منزل أخرى مهددة بالهدم، وأن إسرائيل تستولي على أكثر من 85% من مياه الضفة وتسمح للفلسطيني باستهلاك 50 مترا مكعبا فقط من المياه سنويا مقابل 2400 متر مكعب لكل فرد من المستوطنين غير الشرعيين.الكذبة التاسعة أكذوبة السلام الاقتصادي كبديل لإنهاء الاحتلال، وهي كذبة عتيقة ومحاولة لإنجاح ما فشل فيه شارون ومناحيم ميلسون عام 1982.هناك عشرات الأكاذيب الأخرى التي لا حاجة لتفنيدها لشدة وضوحها، غير أن اللافت للنظر مدى انعدام القدرة على الابتكار أو الإبداع لدى ليبرمان، فكل ما ذكره وما قاله تكرار لأكاذيب ومقولات دعائية، يستخدمها الناطقون الإعلاميون الإسرائيليون منذ سنوات من أمثال عوفير غيلدرمان وأفيخاي أدرعي ومارك ريغيف. تبقى نقطة أخيرة، عندما يتحدث ليبرمان عن مشروعه لترحيل الفلسطينيين الصامدين على أرضهم في الجليل والمثلث منذ عام 1948، فإنه يبشر بالتطهير العرقي من جديد، وهذه ليست مجرد أفكار، إنها مشروع لاستخدام نهج فاشي ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك يجب التصدي له دون تباطؤ أو تردد. وفي تعبير عن واقع الحال، وإنهاء إسرائيل الفعلي لأي سيادة فلسطينية على مناطق (أ)، اقتحمت القوات الإسرائيلية فجر الأربعاء الماضي مدينة رام الله ودخلت قواتها إلى قلبها لتعتقل المناضل والقيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية صلاح الخواجا، بعد أن عاثت في بيته فسادا وعاثت في المنطقة تخريبا وسببت الاختناق لعائلات بكاملها وأطفالها بقنابل الغاز التي أطلقتها.هذا الاعتقال لن يكسر إرادة المناضل صلاح الخواجا ولن يردعنا عن مواصلة الكفاح من أجل الحرية، لكنها مفارقة معبرة أن يحدث هذا الاقتحام في الأسبوع نفسه الذي نشرت فيه أكاذيب ليبرمان، وتذكير لمن نسي ولكل المنشغلين بالصراع على السلطة، أننا جمعيا ما زلنا تحت الاحتلال.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية