هل تنجو مصر من أزمتها الإعلامية؟

نشر في 30-10-2016
آخر تحديث 30-10-2016 | 00:10
لن يكون بوسع الإعلام تأدية الدور الرئيس في التعامل مع التحديات التي تواجهها الدولة، لأن تلك المعركة تخص الدولة والمجتمع والمؤسسات والجمهور نفسه، وإذا كان للإعلام دور فهو دور ثانوي ومكمل، والاستقالة من الأدوار الصلبة المفترضة والتخلي عنها لمصلحة الإعلام وحده لن تؤدي إلا إلى كوارث ومخاطر كبيرة.
 ياسر عبد العزيز في الأسبوع الماضي، شهدت مصر حدثاً نادراً، إذ انعقد المؤتمر الوطني الأول للشباب، بمدينة شرم الشيخ، في جنوب سيناء، على مدى ثلاثة أيام، بحضور أكثر من ثلاثة آلاف شاب وشابة من مختلف أنحاء البلاد، ومئات من المسؤولين والمثقفين والخبراء.

لم يستمد هذا المؤتمر أهميته فقط من ضخامة الحشد وتنوع الحضور، ولكن الأهمية الكبيرة له ظهرت في القرارات التي أعلنها الرئيس السيسي في ختامه، وهي قرارات نوعية ومؤثرة؛ إذ شملت الإيعاز بتعديل قانون التظاهر المثير للجدل، وإطلاق عملية تستهدف العفو عن مئات من الشباب المسجونين بسبب قضايا رأي وتظاهر، فضلاً عن جملة أخرى من القرارات التي تستهدف دمج الشباب، وتمكينهم، وتحرير طاقاتهم، ومعالجة الاحتقانات الموجودة في المشهد السياسي.

من بين أهم القرارات التي أعلنها الرئيس في ختام هذا المؤتمر، توجيهه للحكومة، بالتعاون مع "البرلمان" من أجل إصدار التشريعات المنظمة للمجال الإعلامي؛ وهي التشريعات التي طال غيابها، وطالب كثيرون بسرعة إصدارها، من دون جدوى.

إذا صدرت تلك التشريعات بالفعل، في الدورة البرلمانية الحالية، وتمتعت بقدر مناسب من الرشد واحترام الحريات، تكون مصر أنجزت إنجازاً مهماً على صعيد المجال الإعلامي والعمل الوطني بشكل عام.

لقد جاء هذا القرار في أعقاب هجمة ثقيلة على وسائل الإعلام والإعلاميين المصريين من جهات مختلفة، كان على رأسها الرئيس نفسه و"البرلمان" وأعضاء في الحكومة وبعض الأجهزة التنفيذية.

تستند هذه الهجمة إلى ذرائع وجيهة في بعض الأحيان، خصوصاً في ظل الانحدار القياسي في مستوى الأداء الإعلامي المصري في الوقت الراهن، لكنها ليست موضوعية أو حسنة النوايا في بعض الأحيان الأخرى.

ثمة أربعة أخطاء كبيرة شابت العلاقة بين الدولة والإعلام في مصر في الفترة الماضية التي أعقبت الانتفاضتين، وبسبب تلك الأخطاء، تفاقم التردي في الأداء الإعلامي، وانحرفت الرسائل الإعلامية عن المسارات الموضوعية والإيجابية لمصلحة أنماط أداء متدنية.

إن تلك الأخطاء تتفاقم يوماً بعد يوم، وتلقي بظلال سلبية على الممارسة الإعلامية، وتحرفها عن القواعد المهنية، وتحد من حريتها، وتسلبها القدرة على النهوض بدورها المفترض.

الخطأ الأول يتعلق بتصور السلطة أنه من الممكن أن تتم إدارة المجال الإعلامي من دون قواعد تنظيمية وتشريعات وأجهزة متخصصة.

لقد أظهرت السلطة تعويلاً كبيراً على "مواثيق الشرف" الطوعية، والالتزام "الذاتي" لدى العاملين في صناعة الإعلام، والحض على "التمثل بالقيم العليا الدينية والإنسانية وعلى رأسها الصدق والأمانة ومراعاة الدقة"، من دون أن تهتم بإرساء الآليات التي يمكن أن تحول تلك التمنيات إلى سياسات وإجراءات قابلة للتنفيذ.

أما الخطأ الثاني فيتصل بالدور المفترض لوسائل الإعلام في التعامل مع التحديات الرئيسة التي تواجهها البلاد. يعتقد البعض، وبينهم ساسة نافذون وخبراء وأكاديميون، أن الإعلام يمكن أن يواجه تلك التحديات وحده، أو أنه "صاحب المجهود الرئيس" في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والعمليات الإرهابية.

وبسبب هذا الاعتقاد، يتوقف الساسة عن وضع الخطط اللازمة لمواجهة تلك التحديات، كما تتخلى أجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية عن أدوارها المفترضة في التصدي للمخاطر، وينتظر الجميع أن يقوم الإعلام بكسب المعركة وحده، معولين على قدرته الكبيرة في النفاذ والتأثير في قطاعات الجمهور.

وفي بعض الأحيان تقوم الدولة بتوجيه الانتقادات للإعلام، بداعي أنه السبب في إثارة المشكلات مع الدول الأخرى، عبر الموضوعات التي يقوم بنشرها.

إن هذا التصور خاطئ بكل تأكيد، إذ يُصعب أن يختلق الإعلام مشكلة من العدم، كما تُمكّن السياسات الدبلوماسية والإعلامية الرشيدة أي دولة من توضيح مواقفها وصيانة علاقاتها الدولية على النحو السليم، مهما كانت أخطاء الإعلام وممارساته الحادة.

ويتعلق الخطأ الثالث بالانطباع الذي تولد لدى قطاعات في السلطة، بأنه من الممكن السيطرة على مصادر الرسائل الإعلامية والتحكم في مضمونها، بشكل يخفف الاحتقان، ويحبط الروح الاحتجاجية، ويطوق النزعات النقدية، ويخلق اصطفافاً وتأييداً واسعين للقيادة السياسية.

ولعل هذا الخطأ يفسر لنا سبب الاحتفاظ بمنظومة إعلامية كبيرة ضمن ملكية الدولة، وهي منظومات لا تتحلى طبعاً بالكفاءة اللازمة، ولا تدار بمفهوم "الخدمة الإعلامية العامة"، بقدر ما تدار بهدف تأطير الرسائل الإعلامية عبر السيطرة على مصادرها، كما يمكن أن يفسر لنا أيضاً سبب استثمار الدولة أو بعض أجهزتها في مجال الإعلام الخاص، عبر إطلاق مشروعات إعلامية.

أما الخطأ الرابع فيتصل بتصور البعض أنه من الممكن منع الرسائل الإعلامية غير المرغوب فيها سياسياً من الظهور والوصول إلى الجمهور والتأثير فيه.

يعتقد البعض أنه بالإمكان منع وجهة نظر معينة من البروز عبر محاصرتها في المنابر الإعلامية النظامية بما يحرمها من الانتشار والرواج.

من المؤسف أن تكون تلك الانطباعات سائدة في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً في هذا العهد الذي يشهد زيادة كبيرة في استخدام "الإنترنت"، وارتفاعاً هائلاً في أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

لا يمكن إدارة المجال الإعلامي في أي دولة من خلال التمنيات والتعويل على مواثيق الشرف الطوعية، من دون إقرار تشريعات وقواعد تنظيمية.

ولن يكون بوسع الإعلام تأدية الدور الرئيس في التعامل مع التحديات التي تواجهها الدولة، لأن تلك المعركة تخص الدولة والمجتمع والمؤسسات والجمهور نفسه، وإذا كان للإعلام دور فهو دور ثانوي ومكمل، والاستقالة من الأدوار الصلبة المفترضة والتخلي عنها لمصلحة الإعلام وحده لن تؤدي إلا إلى كوارث ومخاطر كبيرة.

وكما أنه يصعب جداً السيطرة على مصادر الرسائل الإعلامية في واقعنا العربي الراهن بسبب التغيرات المذهلة التي طرأت على طبيعة العملية الاتصالية من جهة وحالة التلقي الإعلامي من جهة أخرى، فإن التفكير في منع رسائل إعلامية بعينها ليس سوى نوع من العبث، لأنه لن يؤدي سوى إلى رواجها وانتشارها.

بالخطوة التي أعلنها الرئيس السيسي نهاية الأسبوع الماضي، سيبدأ الإعلام المصري رحلة طويلة، يمكن أن يصل في نهايتها إلى ممارسة أكثر حرية وتنوعاً ورشداً، إذا خلصت النوايا.

* كاتب مصري

back to top