أزعم أنها المرة الأولى في مصر التي يجمع فيها كتاب سينمائي بين متعة القراءة والتحليق في أجواء ومشاهد الفيلم بالصوت والصورة. عبر استخدام تقنية متقدمة للغاية تتوافر للقارئ في حال تزويد هاتفه بتطبيق QR BARCODE، يستطيع تمرير شعاع الهاتف على الرمز الموجود في أية صفحة من صفحات الكتاب، فيفك الطلاسم ويصبح الفيلم الذي يستشهد به المؤلف متجسداً أمامه، في تطوّر هائل يزاوج بين التقدّم الذي وصلت إليه «الميديا» والثقافة السينمائية!

صدر كتاب «وجوه وزوايا» للناقد علي أبو شادي عن دار نشر «بتانة» أخيراً في 180 صفحة. يُبهرك غلافه، الذي لم يتم التنويه إلى مصممه! وإذا كانت هذه التقنيّة الرائعة سبباً في استقطاب جمهور غير تقليدي من جيل الشباب، الذي لا يحتلّ الكتاب جزءاً من أولوياته، فأغلب الظن أنها لن تغيّر من عادات الجيل المتشبث بقديمه ولم يواكب الطفرة الهائلة الحاصلة في عالِم الهواتف الذكية، من ثم سينتهي من قراءة ما بين دفتي الكتاب من دون مشاهدة صورة واحدة، إما لأنه لا يملك هاتفاً ذكياً أو لأنه لن يُجهد نفسه في البحث عن وسيلة مرهقة، في نظره، لمشاهدة صورة وفيلم يحفظهما عن ظهر قلب!

Ad

فور أن ينتهي القارئ من تصفح «الفهرست» يُصارحه «أبو شادي» بأن عليه أن يتأهب لقراءة «دراسات ومقالات كتب بعضها منذ فترة، وأخرى بالأمس القريب، في صحف ومجلات مختلفة»، ويُضيف أنها «محاولة لتقديم صورة مقربة لشخصيات أثّرت في السينما المصرية عبر تاريخها، وسعت، وما زال بعضها يسعى، إلى الارتقاء بهذه السينما باعتبارها رافداً أصيلاً من روافد الثقافة الوطنية، وكان لمعظمها دور فاعل ومؤثر في تغيير وجه الفن السينمائي كتابة وتمثيلاً وإخراجاً ونقداً، فبات جلها رموزاً حية ودائمة لكل ما هو نبيل وجاد في تاريخ السينما والثقافة السينمائية في مصر». لكن أستاذنا يبدو وكأنه يُصادر على حق كل من يُطالبه باستكمال رؤاه، بدلاً من الاكتفاء بتجميع مقالاته القديمة، ويقول بالحرف: «المقالات كما كُتبت في حينها دون حذف أو إضافة، تأكيد على الأمانة العلمية، وحرص على تماسك الرأي والرؤية» فأي تعارض أستاذي، بين الأمانة العلمية وتوقف دراستك عن يوسف شاهين عند العام 2003، وهو ما أدى إلى إسقاط فيلمي «إسكندرية نيويورك» (2004) و«هي فوضى» (2007) من الدراسة القيمة لو اكتملت؟ وما الضرورة في تضمين الكتاب دراسة بعنوان «أستاذ الأدب السينمائي نجيب محفوظ: الرجل الذي غيّر وجه السينما في مصر» ثم تتبعها مباشرة دراسة أخرى بعنوان «سينما محفوظ من جفاف الواقع إلى نهر الواقعية»، وهو ما كان سبباً في تكرار الحديث، وبالحرف الواحد أحياناً، عن أفلام مثل :«ريا وسكينة»، «الوحش» و«الفتوة»، وعند التطرق إلى علاقة نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف وتوفيق صالح تكررت الكلمات نفسها عن «مغامرات عنتر وعبلة» و«درب المهابيل»؟

هذا الاضطراب الناتج، ربما، عن «النهج التجميعي» غير المعتمد على أسس وقواعد، لم يحل دون امتلاك الناقد علي أبو شادي رشاقة في الأسلوب، وجزالة في الألفاظ وبلاغة في الوصف، وهو ما نلمسه في وصفه الناقد رفيق الصبان: «متمكن من أدواته، ثاقب النظرة، نافذ البصيرة، بليغ العبارة بالعربية مع إتقان تام للغتين الإنكليزية والفرنسية»، وامتلاكه قدرة على السرد بسلاسة، وتسجيل موقف، كما فعل في اتهام ممدوح الليثي بتخريب «ميرامار» بسبب كراهيته الثورة وعبد الناصر، وسعيد شيمي الذي أفرط في الإشادة بالمصورين الأجانب وتجاهل رواد التصوير المصري، واستنكار إقالة الناقد والباحث أحمد الحضري من منصبه كعميد لمعهد السينما بعد عام من تعيينه، وتكرار إقالته من منصبه كرئيس للمركز القومي للسينما، والانفراد «الحصري» لناقدنا بسرد وقائع الليلة الأخيرة في حياة المخرج رضوان الكاشف، وتسامحه مع مقولة الأديب يحيى حقي «إن السينما ليست من الفنون الرفيعة»، فيما لم يضع الكاتب في اعتباره مقولة «إذا لم يكن هناك بدٌ من «التجميع» فلا أقل من «التنقيح»، وترك مقالات كثيرة على حالها (اقرأ استعارته للدراسة التي كتبها الباحث وكاتب السيناريو حمدي عبد المقصود بعنوان «صلاح التهامي... الأب الروحي للسينما التسجيلية») وخروجه عن الخط الذي رسمه العنوان «وجوه وزوايا»، إذ لم يكتف برسم «البورتريه»، وإلقاء الضوء على جوانب وزوايا في وجوه من اختارهم، كما فعل ببراعة مع كل من كمال الشيخ وسعاد حسني ويحيى حقي وعبد القادر التلمساني وعلي الغزولي وأنسي أبو سيف، وإنما كثف الحديث عن البعض الآخر، وتغافل عن زوايا إنسانية مجهولة لدى آخرين. وفي انقلاب صارخ لم يرسم «البورتريه» بقلمه بل من خلال عرض كتب لآخرين، كما فعل في كتاب «أحمد الحضري.. رائد الثقافة السينمائية» للباحث محمد عبد الفتاح، و«سيرة حياة رائد السينما التسجيلية سعد نديم» للباحث والمخرج التسجيلي محمود سامي عطا الله، وكتاب «سفير أميركا بالألوان الطبيعية» للكاتب والناقد والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي كامل التلمساني، بالإضافة إلى كتاب «التصوير السينمائي من السينما الصامتة إلى السينما الرقمية» لمدير التصوير سعيد شيمي، وتطرق إلى كتاب «السينما كما رأيتها» للناقد رفيق الصبان بشكل عجيب، حيث جاء في أعقاب دراسة كاملة عن د. رفيق الصبان بعنوان «شاعر النقد السينمائي»، وكان عليه ضمّ الكتاب للدراسة، وهو ما فعله مع الكاتبة والمخرجة عطيات الأبنودي، التي تحدث عنها في مقال مفصل ثم أفرد مساحة أخرى منفصلة عن كتابها «السينما الثالثة»!