أن تعود إلى الكويت

نشر في 31-10-2016
آخر تحديث 31-10-2016 | 00:00
 فوزية شويش السالم أن تعود إلى الكويت معناه أن تغيرات كثيرة في انتظارك، فالكويت التي أغادرها في أواخر الربيع تكون مازالت خضراء مزهرة بآخر أنفاس النباتات الربيعية المتحملة لبدايات بواكير الحرارة الصيفية، ونباتات البيوت والشوارع التحفت بغطاء الشبك الأخضر المخفف للحرارة المقبلة.

وحديقة بيتي تغطت نباتاتها بالغطاء الأخضر حالها حال حدائق الجيران، لا أدري إن كان يوجد مثل هذا الوضع في الحدائق الخليجية، ربما هو اختراع كويتي فقط بسبب الحرارة العالية.

رعاية الحدائق في الكويت عملية مكلفة ومتعبة، فلا شيء يدوم أو يستمر فيها، اللهم إلا بعض الأشجار القوية المقاومة لقسوة الطبيعة الصحراوية والممتدة جذورها عميقا في الأرض، عدا هذه أغلبية النبات تموت خلال الصيف مهما بُذل من جهد وتعب للحفاظ عليها، لذا يكون أهم شيء عند عودتي في أوائل الخريف، وتحديدا ساعة خروجي من المطار هو فحص وتأمل طبيعة وحال أشجار ونباتات الشوارع من حولي، إن كانت خضراء وفيها روح الحياة فهذا يعني أن نباتات حديقتي بخير أيضا، وحرارة الصيف كانت رحيمة إما بسبب الغبار الحاجب للحرارة أو بسبب الرطوبة العالية، الصيف حار في كل أحواله لكن وجود الغبار والرطوبة يخففان من درجة حرارته، ويكون في ذلك رحمة للنبات.

وعندما تكون أشجار الشوارع جرداء مصفرة محروقة أدرك ما ينتظرني في حديقتي، أحزن لمنظرها الجاف، من سور البيت أرى أوراقها الصفراء العجفاء واقفة في انتظاري.

قبل أن أدخل البيت لابد أن افحص وأحصي عدد الموتى منها والتالف وما خسرته من نباتاتي المحبوبة.

تغيرات الطبيعة تبدأ في التحول والتشكل والتحول من جديد، يُعاد تغير مشاهد الطبيعة من بداية دخول الخريف.

كل شيء في الكويت ينشط وتدب الحياة بعروقه.

تشعر أن الكويت غير، نشاط وحيوية، تحرك مفاصل كل الأنشطة، تصبح خلية نحل بدأت تنتج عسلها.

منذ أن يدخل الخريف إلى أن ينتهي ببداية الصيف، الكويت تكون من أجمل ما يكون، كل شيء فيها يتغير، كأن الحرارة القاسية هي السبب الأساسي في التعب والخمول والإجهاد القاتل لكل الأنشطة.

ورحمة الله أن تكون متقاعداً بلا عمل وظيفي يجعلك مرتبطاً به وبالتواجد في فترة قسوة حرارة الصيف الرهيبة، والأجمل أن تعود مع عودة تفتح الطبيعة، بالفعل يكون تغيرها وتحولاتها واضحة جدا وسريعة، كما يكون النشاط الاجتماعي والسياسي والثقافي والفني في أوج تفتحه.

وتكثر التنوعات والاختيارات بتعددها، وكأن الكويت تعوض كل ما فاتها في فترة الخمول الصيفي.

الكويت مدينة متغيرة على الدوام في كل مواسمها، خاصة ما ينعكس على العمران فيها، لا أظن توجد مدينة مثلها بكثرة تغيرات شوارعها ومبانيها، لا شيء يبقى على حاله، في كل عودة لي أضيع وأتوه في طرقها المحولة أو المستحدثة والجديدة، هذا عدا الأبراج والبنايات الأسمنتية الضخمة والمولات التجارية، فكل برج أو عمارة يجب أن تحتوي على مول كبير فيها، لدرجة باتت تمثل "مولاً" لكل مواطن، إذا كانت ستقسم على المواطنين، هذا من باب المزاح فقط، لكن الواقع بات يشبه هذا الحال، وكل عودة لي أجد مولات وأسواقاً جديدة فتحت، وهذا الصيف فتح مول البوليفارد، وعلى الطريق مول 89.

أجمل حدث في هذا الخريف هو افتتاح مركز الشيخ جابر الصباح الثقافي، مبنى عصري رائع مفخرة في البناء الحداثي الراقي، إضافة إلى احتوائه على دار الأوبرا الكويتية لأول مرة، مع مسارح وغاليريات وقاعات اجتماعات وسينما ومقاهٍ، ومبان ترفيهية ثقافية على أعلى مستوى.

الأنشطة الفنية والثقافية باتت كثيرة ومتعددة في الكويت لدرجة تحير في الاختيار، وهذا لم يكن موجودا فيها من قبل، كانت النشاطات محدودة خلال فترة مهرجان القرين أو معرض الكتاب أو ندوة مجلة العربي، الآن لم تعد حكرا عليها، فبتعدد المراكز والجهات الثقافية مثل برامج دار الآثار الإسلامية ومركز اليرموك ومركز الأمريكاني وحديقة الشهيد ومسرح عبدالحسين عبدالرضا، مع ملتقيات مختلفة مؤسسة من قبل أفراد وكتاب وغيرهم، وإلى جانب نار ندوات الانتخابات النيابية، تعددت الأنشطة واتسعت دائرة التنوع والاختيارات.

المشكلة تتمثل في الازدحامات المرورية الخانقة في كل الأوقات، مما يصعب الطريق ويقلل رغبة الذهاب إليها والخروج من المنزل.

back to top