في لقاءات واتصالات مكثفة تشهدها أربيل وبغداد والنجف على هامش معارك الموصل الأكبر حجماً منذ اندلاع المواجهة مع تنظيم «داعش» قبل عامين، بدا أن كل الأطراف السياسية العراقية، حسبما يخرج من كواليس الاجتماعات والمشاورات التي لم ترق إلى حوار جدي بعد، تتهيب اليوم الذي يلي طرد المسلحين المتشددين وتحرير آخر نقطة من نينوى، إذ يشعرون بأن السياسة القديمة لن تصلح لتصميم ملامح المرحلة المقبلة، ورغم أنهم لم يقدموا خططاً بديلة ملموسة، فإنهم يعترفون بالحاجة إلى «تنازلات مؤلمة من الجميع».

وعلى سبيل المثال، فإن رئيس المجلس الأعلى زعيم التحالف الشيعي عمار الحكيم كان يرسل، خلال كلمات ولقاءات عدة «شيفرات ورسائل ملغزة» حسب وصف الأوساط السياسية الحليفة والمنافسة لجهة انطوائها على تعبيرات جديدة، فقد تحدث عن «حلول تاريخية لأن التاريخ انتهى وبدأ تاريخ آخر، وسنتعامل مع جيل جديد من الساسة»، وتحدث كذلك عن قبوله «التسويات المؤلمة التي تحتاج إلى شجاعة، لأن المرحلة القريبة الماضية أثبتت أن الحلول الكبيرة ممكنة»، في إشارة إلى تغييرات جوهرية شملت حكومة حيدر العبادي وسحب الثقة المتكرر من الوزراء في البرلمان.

Ad

ودون أن يوضح معنى «الحلول التاريخية»، تحدث الحكيم عن الموصل التي «تحتاج إلى معالجة سياسية لنستعيد شعبنا الموصلي إلى أحضان النظام السياسي»، معترفاً في الوقت نفسه بأن التسوية الوطنية «منوطة بالتحالف الشيعي» ككتلة تمسك بزمام الحكم، نفطاً وسلاحاً وسياسة خارجية.

ولم يدّع الحكيم وجود تسوية جاهزة، لكنه قال بصيغ مختلفة في الآونة الأخيرة: «سنفاجئ الأصدقاء والخصوم بوثيقة تسوية وطنية قريباً جداً».

وبدا أن الحكيم يواجه أسئلة مستفزة من شركائه الشيعة المتشددين وحلفاء طهران، لذلك كرر مراراً القول إنه يقدر أن عناصر «داعش» يشكلون نحو «مئة ألف شخص في المنطقة السنية»، مفترضاً أن نحو عشرة آلاف منهم سيهربون أو يلقون مصرعهم، أما الباقون «فسيحلقون لحاهم ويمكثون معنا، وتستمر المعركة الأمنية ولن تنجح إلا حين ندعمها بتسوية سياسية شاملة».

وتحاول الأوساط السنية الانخراط في هذا الجدل، ويركز ممثلوها على موضوع جوهري يطرح سؤالاً مهماً على المفاوضين الشيعة مفاده: هل يستطيع أحد اعتقال زعيم كردي كمسعود بارزاني أو شيعي كعمار الحكيم بمذكرة قضائية تصدر بشكل غامض، كما يحصل مع قادة القوى السنية ذات التمثيل الأبرز في البرلمان منذ مذكرة اعتقال نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي مطلع عام 2012، وما تلاها من ملاحقات شملت قيادات بارزة أخرى كرافع العيساوي نائب رئيس الوزراء، ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، وكادت بعضها أن تنتهي باعتقال رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري؟

وتتساءل هذه الأوساط: «متى يتمتع بعض قادتنا بهذه الحصانة المتاحة للشيعة والأكراد، كي نشعر بوجود قيادة لديها حماية عرفية قوية ولديها ما تحمي به نفسها مثل قوات البيشمركة أو الحشد الشعبي، أو أي ضمانات وطنية قانونية أخرى مثل تفعيل مبدأ اللامركزية الدستوري حتى بشأن القضاء أو الأمن الداخلي، مشابه لما حصل مع كردستان؟».

وكثيراً ما يطالب السنة بمبدأ «المساواة في وضع الطبقة السياسية» والسماح لقطب سني فاعل ومحمي وطنياً بالظهور وبناء التسويات المؤلمة كي يحصل على ثقة جمهوره واحترام قراراته واعتبارها مشروعة إقليمياً ودولياً، لصناعة استقرار بالحد الأدنى، ومدعوم بالدستور والحياة النيابية التي يتفاخر بها الساسة العراقيون، ويجدون أنها تجعلهم في وضع أفضل مقارنة بباقي مناطق النزاع في المنطقة.