لا يمكن وصف القانون الذي أصدره مجلس الأمة المنحل بشأن تخفيض سن "الأحداث" إلى 16 عاماً، سوى بالجريمة الإنسانية، التي ارتكبها المشرِّع الكويتي، عبر إصداره هذا القانون، والذي يأتي ضمن سلسلة من التشريعات المخالفة للدستور والمنتهكة لحقوق الإنسان وحرياته. قانون الأحداث الجديد ليس فقط سُبة في جبين المشرِّع الكويتي، بل يمثل كارثة إنسانية تنتظر أبناء هذا الوطن، من جراء ما سيترتب على تطبيق أحكام هذا القانون، والذي لا ينحصر فقط في إيداع مَن يتجاوز سن 16 عاماً في سجن الرجال أو النساء، وفق هوية مرتكب الجريمة، بل سينسحب الأمر على إيداعهم في نظارات الشرطة مع المشتبه بهم في جرائم الجنح والجنايات، وكذلك التحقيق معهم في النيابات العادية، أو المخافر، شأنهم شأن البالغين من المتهمين في الجرائم، بل ومحاكمتهم علنياً أمام الحضور في القاعات، من دون اكتراث لصغر سنهم.
إيداع الشباب ممن تجاوزوا سن الـ 16 عاماً، وفق الجرائم التي يرتكبونها في سجون البالغين، بعد أن تم إخراجهم من قانون الأحداث، سيسبب أزمة قانونية واجتماعية، نتيجة اعتبار القوانين الأخرى الطفل بأنه كل من لم يتجاوز سن الـ 18 عاماً، وسن الأهلية حتى 18 عاماً، وسن الرشد القانوني لممارسة الحقوق السياسية 21 عاماً، ما سيثير تساؤلاً في غاية الأهمية، وهو: كيف يُساءل مَن بلغ 16 عاماً جزائياً، ويعامل معاملة المتهم البالغ السن القانونية والقوانين الأخرى تعتبره طفلاً وغير مؤهل لتعاقداته وتصرفاته القانونية؟!إن تبعات قانون الأحداث الجديد، بعد أن أخرج كل مَن بلغ 16 عاماً عن وصف "الحدث"، وأدرجه ضمن البالغين والمحاسبين جنائياً، لن تمنع المحاكم الجزائية من إصدار أحكام بإعدامه، أو بحبسه بالسجن المؤبد، رغم عدم إدراكه أو رشده في التعامل مع العديد من الأحداث، ولاسيما أنه يعيش في هذه السن مرحلة المراهقة، التي يحدث خلالها الكثير من التغير الذهني والجسدي، وهي مرحلة لا تؤهل "الحدث" لتحمُّل كامل المسؤولية الجنائية، مثل البالغين، ومن ثم فإن تلك الأحكام التي أوردها القانون أوجدت لنا نموذجاً تشريعياً مشوهاً يضر بحقوق رعاية الطفل، كما يسمح بإعدامه.ومثلما لم يكن المجلس المبطل الأول موفقاً في إصداره قانون الإعدام للمسيء للذات الإلهية والنبي، فإن المجلس المنحل لم يكن أيضاً موفقاً في إصداره قانون الإعدام السياسي، لتجريد بعض خصومه السياسيين من حقوقهم الدستورية، وتطور الأمر إلى إصدار قانون يغتال الطفولة ويعدم براءتها، لمجرد عدم قدرة بعض الوزارات ومؤسساتها على ضبط قلة من الأحداث، بمراقبتهم أو السيطرة عليهم، فكان الحل هو إعدام حقوقهم، وإن سنحت العقوبة، فلا مانع من إعدامهم.أخيراً، فإنه يتعيَّن على المجلس المقبل إزالة هذه الخطيئة التشريعية، وتوحيد سن الأحداث بسن الطفولة، التزاماً باتفاقية الطفل العالمي، واحتراماً لاتفاقيات حقوق الإنسان، التي تحظر عقوبة الإعدام على المسؤولين جنائياً، فكيف الحال مع مَن يعتبرون في خانة الأحداث؟ وإلى أن يصدر التشريع الجديد نتمنى على المسؤولين في المؤسسات العقابية بوزارة الداخلية العمل على إيجاد مبانٍ تناسب أعمار المتهمين ممن تجاوزوا سن الـ 16 عاماً، بإيداعهم فيها، على أن تكون تلك المباني منعزلة عن السجن الذي يودع به المتهمون البالغون جنائياً، حفاظاً على "الأحداث"، وحتى يتمكنوا من العودة إلى مجتمعهم بعد قضائهم فترة العقوبة.
مقالات
قانون إعدام الطفولة
01-11-2016