في 16 نوفمبر الجاري سيفتتح معرض الكويت للكتاب دورته الجديدة. ومؤكد أن معرض الكتاب موعد منتظر ومهم للكثير من الكُتاب والناشرين والمثقفين وجمهور القراءة.

لكن، المعرض له أهمية خاصة لمن ينتظر نشر كتابه الأول، وبالتالي هو بانتظار مواجهة جمهور النقاد، أو قل الكتابات النقدية القليلة التي ستتعرض لكتابه، إضافة إلى رأي الجمهور.

Ad

وإذا كانت الساحة الثقافية في الكويت تعاني منذ سنوات ندرة الناقد المتابع والمتواجد عن قرب من الإصدار الجديد، فإن الملاحظ أيضا، أن هناك الكثير من الآراء الشفاهية التي تُقال للكاتب الشاب، بقصد التشجيع، لكنها تحمل في طياتها مع يسيء إليه، وقد يضلل خطوته التالية.

لم يكن قول الحق في يوم من الأيام سهلا. وقلة قليلة أولئك الذين يسمعون النقد الصادق المشخّص بصدر رحب ويتقبلونه، ويعملون ما أمكنهم للاستفادة منه. وإذا كانت هناك فئة من الكُتاب الشباب تستمع بصدق وتلهف لتطوير أدواتها الفنية، والاستفادة من النصيحة، فإن الملاحظ أيضا، أن هناك فئة أخرى، وبقدر تلهفها لسماع رأي في كتابها، فإنها تود سماع المدح، ولا شيء سواه.

وإذا كان هذا سلوك يخصها، فإنني أرى أن الواجب يحتم على الآخر؛ الكاتب المتمرس والناقد والمخلص، أن يكون صادقا مع نفسه ومع الشباب في أن يقول كلمة حق، حتى لو استشعر بأنها لا تلاقي قبولا من الآخر.

إننا نعيش في مجتمع ثقافي متواصل، وزيارة صغيرة لمعرض الكتاب، أو لأي دار نشر، ستؤكد وصل مختلف أجيال الكتاب والمثقفين، وهذا أحد أجمل المظاهر الأدبية في الكويت، لكن ما يجب التشديد عليه، هو أن طيبة العلاقة الإنسانية الرائعة يجب ألا تقف حجر عثرة عن قول كلمة الحق. وعن توجيه النصح والإرشاد، كما ينبغي أن يكون.

"أنت كاتب مُبشّر"... هذه عبارة دالة تحمل الكثير من الإشادة، لكن أن تُقال بصيغة: "أنت كاتب مُبشر وكتابك رائع"، فإنها تستحق الوقوف عندها، وخاصة إذا كان الكتاب بشهادة القاصي والداني لا علاقة له بالروعة، ويفتقد أساسيات الكتابة الفنية.

صرت أقع في حرج حين يطلب مني كاتب شاب أن أدلي برأيي بصراحة في كتابه. فبعض الكُتاب الشباب ما عاد صدره يتسع للنقد الصادق، والأدهى من ذلك، أن البعض صار يزن صداقته معك بميزان كلمات نقدك لكتابه.

صادف أن حمل لي كاتب شاب روايته، وقرأتها باهتمام وإخلاص، ونقلت له رأيي بصراحة فيها؛ حضور المكان، وتنقلات الزمان، وصوت الراوي، وبعض العبارات. استمع مني النصيحة، وناقشني بشكل طيب، لكني فوجئت حين التقينا فيما بعد، أنه يتحاشى الكلام معي، وحين استفسرت من صديق مشترك لنا، ردَّ عليَّ:

"كنت قاسياً في نقدك لروايته".

"هل قرأت الرواية؟" سألت الصديق.

"نعم".

"هل أعجبتك؟".

"لا بأس".

توقفت عند عبارة صديقي، ودار ببالي؛ إما أن يكون صادقا، وهذا يفضح وعيه الفني المتردي بالرواية، فرواية صديقنا مضعضعة، ولا يخفى ضعفها على أحد، وإما أن يكون قد قال ما قاله كرمى للكاتب الشاب، وهذه مؤلمة، بحق نفسه وبحق الشاب.

النقد أمانة، أقول ذلك وأنا قريب من ساحة النقد العربي، وصادفت مواقف كثيرة عرفت من خلالها أن الصداقة والشللية والمصلحة كانت من يحرك قلم الناقد قبل أي شيء آخر. لكن إلى جانب ذلك، هناك أقلام نقدية صادقة، تقدم دراسات نقدية يستطيع القارئ، ومنذ السطر الأول، الحكم عليها بأنها تأتي ليس لترضية فلان أو فلانة، بقدر ما تأتي لتضيف مادة نقدية عربية ساطعة في تحليلها وقدرتها على قراءة النص بشكل مبدع، بحيث إن كتابة الناقد لا تقل إبداعا عن العمل الإبداعي نفسه.