مسارعة إيران ونظام بشار الأسد إلى اعتبار فوز ميشال عون في انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية انتصاراً لـ"حزب الله" يدل على الضعف لا القوة، وعلى أن هذا التحالف بات يشعر باقتراب هزيمته واندحاره، وأنه أصبح بحاجة إلى "زوبعة" سياسية، وإنْ كاذبة ووهمية وغير صحيحة، لإظهار أنه لا يزال متماسكاً، وأنه يحقق انتصارات من بينها وصول جنرال التقلبات والانتقال من حضنٍ إلى حضن، ومن الضدِّ إلى الضد، والهدف هو الوصول إلى قصر بعبدا، ولو يوماً واحداً أو لحظة واحدة.

كان متوقعاً أن يبادر مستشار الولي الفقيه علي أكبر ولايتي، المطلوب للعدالة الدولية بتهمة التفجير والإرهاب، إلى إطلاق تصريح عاجل، سارع إليه حتى قبل أن يلتقط الذين كانوا يدققون في أوراق الصناديق الانتخابية أنفاسهم، إلى اعتبار تحقيق ميشال عون لأمنية حياته انتصاراً لزعيم "حزب الله" حسن نصر الله، الذي لا شك أنه يعرف حقائق الأمور، وأن هذا الانتخاب الذي جاء بعد "نشاف الريق" هو نتيجة صفقة دولية وعربية، وأيضاً لبنانية داخلية، ستكشف تفاصيلها الأيام المقبلة حتى وإنْ كانت بعيدة.

Ad

لم يكن ممكناً أنْ يقدم سعد الحريري، هذا الشاب الذي لم يكن هذا الهم من همومه على الإطلاق قبل اغتيال والده رفيق الحريري في عام 2005، على هذه الخطوة "الانتحارية"، خطوة الانتقال السياسي من طرف إلى الطرف الآخر، والتخلي عن كبريائه وعن دماء والده، وترشيح الجنرال عون لرئاسة الجمهورية، لو لم يكن هناك تفاهم مع الفرنسيين والأميركيين، ومع بعض الدول العربية المعنية التي بقيت دائماً وأبداً منشغلة بالهم اللبناني منذ الاستقلال في أربعينيات القرن الماضي وحتى الآن.

وهكذا فإنه لا يمكن أنْ يُعطي الفرنسيون والأميركيون ومعهم بعض العرب، الذين يعتبرون الهم اللبناني أحد همومهم الكثيرة، خصوصاً خلال هذه الفترة الحاسمة، للإيرانيين ولنظام بشار الأسد انتصاراً مجانياً يجعل حسن نصر الله يقف على رؤوس أصابع قدميه، ويعلن مرة أخرى أنه يفتخر بأن يكون مقاتلاً في فيلق الولي الفقيه... إن هذا هو رابع المستحيلات التي هي: "الغول والعنقاء والخلُّ الوفي"!

إنها لعبة دولية أرادها اللاعبون في هذا الوقت بالذات، بينما معادلة الصراع في هذه المنطقة قد طرأت عليها، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تطورات ومستجدات كثيرة، لإظهار أوراق الشرق الأوسط أنها قد بدأت، وأن البداية جاءت في لبنان، لأنه كان دائماً وأبداً على مدى سنوات القرن العشرين، وقبله بقرون وحتى الآن، المرآة التي تعكس الصورة المصغرة للشجار الكوني، ولصراع المعسكرات الذي من المفترض أنه لا خلاف على أنه قد عاد مجدداً مع انفجار الأزمة السورية، وقبل ذلك مع الغزو الأميركي للعراق في عام 2002.

ربما يرى الذين هرعوا خفافاً وثقالاً، بعد اختيار الجنرال العون رئيساً للجمهورية اللبنانية، إلى تهنئة أنفسهم وأتباعهم بهذا "الانتصار"! أن كل مقاليد الأمور في لبنان أصبحت في أيديهم من قصر بعبدا إلى رئاسة مجلس النواب إلى رئاسة الوزراء... أي أنها أصبحت في يد حسن نصر الله، لكن على هؤلاء أن يتريثوا قليلاً، وأن يدركوا أن هذا البلد هو بلد الرمال المتحركة، وأنه كان هناك، دائماً وأبداً "لاعب لعبة" وراء كل ألاعيبها القديمة والجديدة!