اعتقالات تركيا... وصمت الإسلاميين

نشر في 03-11-2016
آخر تحديث 03-11-2016 | 00:15
لو قارنا موقف الإسلاميين من عمليات القمع والطرد والملاحقة من السلطات التركية بحق المتهمين بالمشاركة أو التعاطف مع الانقلاب ومع جماعة الداعية "غولن"، بمواقف الإسلاميين من الأنظمة العربية والإسلامية التي قمعت الإخوان، لوجدنا الكثير مما يستحق التوضيح.
 خليل علي حيدر صمت الإسلاميين، وبخاصة الإخوان، عما يجري في تركيا أو تبنيهم في أحسن الأحوال الروايات والمواقف الرسمية حول الداعية "غولن" و"انقلاب 15 يوليو 2016" و"الكيان الموازي" و"الدولة العميقة" أمر له دلالات كثيرة!

ولو قارنا موقف الإسلاميين من عمليات القمع والطرد والملاحقة من السلطات التركية بحق المتهمين بالمشاركة أو التعاطف مع الانقلاب ومع جماعة الداعية "غولن"، بمواقف الإسلاميين من الأنظمة العربية والإسلامية التي قمعت الإخوان، أو بموقف الإخوان من الأوضاع المصرية الحالية، لوجدنا الكثير مما يستحق التوضيح، فالضربة التركية أولا قوية وشاملة ومؤلمة، وهي موجهة ضد فصيل تركي إسلامي له دور تاريخي في بناء التوجه الإسلامي الحالي في تركيا، وفي دول آسيوية وأوروبية عديدة من خلال كتب ورسائل ومدارس "فتح الله غولن"، الداعية الذي كثيرا ما مجده زعماء حزب العدالة والتنمية، وتتلمذوا على يديه، قبل أن ينقلبوا عليه ويوجهوا إليه كل هذه التهم.

ومن عجب أن يعتبر الإخوان ما يفعله "الرئيس السيسي" في مصر ضد الإخوان المصريين "مصادرة وانقلابا واضطهادا"، ويطالبون بالشرعية والعدالة والإنصاف، ويعتبرون الرواية الرسمية ومواقف النظام مجرد مبالغات وأكاذيب ومبررات، في حين يديرون أظهرهم لكل هذا الموقف في الأحداث التركية، منذ 15 يوليو 2016، رغم أن الاعتقالات شملت في تركيا الدعاة والقضاة، والضباط ورجال الأعمال، والمدرسين وأساتذة الجامعات، وأقفلت محطات التلفاز والصحف والجمعيات وغير ذلك، دون أن تهتز للإسلاميين العرب المتعاطفين منهم مع تركيا شعرة!

وحتى لو اعتبرنا وجهة النظر الرسمية والإعلام التركي وكل الاتهامات صحيحة، أفلا يتطلب الأمر رأي القضاء ودور المحامين والتدقيق في الدعاوى وغير ذلك؟

وإذا كان للسلطات التركية أن تفعل بمعارضيها وبجماعة الداعية "غولن" ما تشاء، فلماذا تعترض جماعات الإخوان وبقية الإسلاميين على الأحكام التي تصدرها السلطات الإيرانية على معارضيها أو المصرية على الإخوان؟ وهل كنا سنرى الموقف نفسه من الإسلاميين والإخوان لو كان ما يجري منذ أشهر في أنقرة وإسطنبول يقع في الأردن أو المغرب أو ماليزيا وباكستان مثلا؟

كان الإخوان في إعلامهم من صحف ومنشورات وكتب يهاجمون الاعتقال الكيفي والمحاكم العسكرية والاعتقال الجماعي والحكم العرفي، وأخذ الجمع بجريرة الفرد، وعدم إتاحة الفرصة للدفاع عن النفس، وعدم السماح بتوسط المحامين والهيئات الدولية، وكانوا يطالبون بالمحاكم العادلة والقضاة المنصفين، ولا أثر اليوم في الاعتقالات التركية لكل هذا!

نشرت "القبس" الكويتية في 11/ 10/ 2016 مثلا تقول: "أفاد مرسومان نشرا في الجريدة الرسمية أن السلطات التركية أقالت أكثر من عشرة آلاف موظف آخرين في إطار التحقيقات المفتوحة في محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو، وأعلنا من جهة أخرى إقفال عدد كبير من وسائل الإعلام الموالية للأكراد".

ويجدر بالذكر أن الداعية "غولن" من أصل كردي، في نظام يعتبر نفسه إسلاميا، بل وريث الدولة العثمانية العلية، التي جمعت الكثير من القوميات والملل!

ومضى الخبر المنشور في "القبس" يقول: "وكشف المرسومان اللذان نشرا مساء السبت أن عشرة آلاف و131 موظفا في الدولة وخصوصا في وزارات التربية والعدل والصحة أقيلوا بعدما طالت حملة التطهير عددا كبيرا من الموظفين منذ المحاولة الانقلابية التي وقعت في 15 يوليو.

كما ينص المرسومان على إغلاق 15 وسيلة إعلام معظمها مؤيدة للأكراد وإلغاء انتخابات عمداء الجامعات الذين أصبح اختيارهم سيتم من قبل الرئيس رجب طيب إردوغان من مرشحين يقدمهم مجلس التعليم العالي، وتتخذ السلطات هذه الإجراءات في إطار حالة الطوارئ.

واعتقل أكثر من 35 ألف شخص في تركيا في إطار التحقيقات الجارية إثر الانقلاب الفاشل على إردوغان بحسب أرقام الحكومة.

وأكد الرئيس إردوغان السبت أن الحكومة ستحيل إلى البرلمان موضوع إعادة تطبيق عقوبة الإعدام المطروحة منذ الانقلاب الفاشل، ولم يحدد موعدا لذلك".

ولا تمس الإجراءات المتخذة في تركيا ضد جماعة غولن حقوق الأقليات فحسب، إن كانت تعاقب الكرد من خلال غولن أو تنتقم من الداعية الإسلامي بالتمييز ضد الأكراد، بل يتعلق الأمر كذلك كما هو واضح بالتجربة الإسلامية التركية نفسها، وقد حققت بلا شك نجاحات كبيرة، واتسعت شعبيتها، وفتحت لتركيا أبواب المجتمع الدولي، وأعطتها مكانة متميزة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وها هو أنجح نظام يقوده حزب يقول إن مرجعية إسلامية- بينما هو في الحقيقة أعمق ولاء للجماعة والتيار- يتصرف بشكل انفعالي وغير ديمقراطي مع عشرات الآلاف من مواطنين أتراكا وأكرادا، ولا يعبأ بالحقوق والقوانين والحريات!

الداعية "غولن" دافع عن نفسه في مقابلة نشرتها مجلة الأهرام العربي يوم 8/ 10/ 2016، العدد 1016، قال فيها مذكرا بموقف تركيا الرسمي من جماعة أو هيئة "الخدمة"، كما يسمي غولن تنظيمه: "قبل انكشاف فضائح الفساد في تركيا عام 2013 التي ثبت فيها بالأدلة المصورة تورط شخصيات كبيرة من الوزراء وأبنائهم، كانت الموضة مدح حركة "الخدمة" والإشادة بمنجزاتها على الصعيدين المحلي والعالمي، وإذا راجعت الفيديوهات الموجودة على أرشيفات اليوتيوب، فستجد أن كل من كان يمسك بيده الميكروفون من المنسوبين إلى الحزب بمن فيهم إردوغان يسردون قصصا ملحمية في مدح "الخدمة"، لكن بعد هذا التاريخ تحديدا وبعد اكتشاف ملفات الفساد والسرقات والرشا التي تورطت فيها قيادات من الحزب، والتي كشفت عنها تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة، إذا بهم يصنفون "الخدمة" في عداد الخائنين".

وأكمل غولن حديثه قائلا: "وبدلا من تفعيل العملية القانونية ومحاولة إثبات براءتهم من التهم المنسوبة إليهم في ساحات القضاء راحوا يتهمون "الخدمة" بمحاولة تدبير انقلاب على الحكومة، ذلك دون أي دليل يثبت افتراءاتهم تلك في محاولة غير نزيهة للتغطية على تلك الفضائح، وبدأوا يمارسون إجراءات انتقامية من خلال استخدام الشرطة والقضاء بحيث يكون الجميع تحت وصايتهم ويتمكنون من الإفلات من جرائمهم".

سأفترض أن تركيا غارقة في مشكلتها الكردية، وأنها تشك في ولاء كل مواطن كردي للدولة التركية، وأنها تريد أن تحرمهم حتى من الزعامات الدينية والدعوية ضمن ذات الدين والمذهب والتيار، ولكن ماذا عن الإسلاميين في العالم العربي؟

الإجراءات المتخذة في تركيا ضد جماعة غولن لا تمس حقوق الأقليات فقط بل يتعلق الأمر بالتجربة الإسلامية التركية نفسها
back to top