يمضي الناس الكثير من أوقاتهم على الإنترنت هذه الأيام مما يعني أن تجميع كميات ضخمة من المعلومات الشخصية أصبح أسهل من أي وقت مضى بالنسبة إلى الحكومات والشركات، وعليه لم يكن من المفاجئ أن يصبح موضوع خصوصية البيانات موضوعا ساخنا، ولكن هناك الكثير من الناس قد تم استثناؤهم من ذلك الجدل، وللأسف هؤلاء الناس هم الأكثر حاجة لاهتمامنا. على الرغم من تلهف شركات الإنترنت مثل فيسبوك وغوغل على تجميع بيانات عن مستخدميها فإن هناك حدودا لقدرتها على عمل ذلك، فمعظم الوقت هناك طريقة تمكن المستخدمين من عدم تقديم مثل تلك المعلومات الشخصية حتى لو تم إخفاء ذلك بشكل متعمد ضمن مجموعة معقدة من إعدادات الخصوصية، ولو كان اختيار عدم تقديم المعلومة غير مقنع بما فيه الكفاية فإن هناك محركات بحث أو مزودات بريد إلكتروني تركز على الخصوصية. ولكن هناك أناس ضعفاء- مثل نحو خمسة ملايين سوري أجبروا على ترك منازلهم– لا يستطيعون اختيار عدم تقديم المعلومة ما لم يكونوا راغبين في إعادتهم إلى منطقة الحرب، فلو كانوا يأملون الحصول على وضعية اللاجئ- ناهيك عن الطعام والملجأ وغيرها من الاحتياجات الأساسية- فإنه سيتوجب عليهم تقديم أي معلومات تطلبها المنظمات غير الحكومية والمنظمات الحكومية الدولية ووكالات المساعدات والعاملون في الحقل الإنساني، أي بعبارة أخرى بالنسبة إلى اللاجئين فإن تقديم معلومات شخصية سواء كانت تتعلق بالمعتقدات الدينية أو بيانات حيوية يمكن أن تكون مسألة حياة أو موت. لكن ماذا سيحصل لو وقعت تلك البيانات في الأيدي الخطأ؟ إن هذا السؤال لا يعتبر سؤالا غير منطقي لو أخذنا بعين الاعتبار أن المنظمات المسؤولة عن أمن البيانات تعمل تحت ضغوط عالية وموارد منخفضة؛ مما يعني أن اللاجئين المكشوفين يمكن أن يكونوا في خطر كبير.

يتم توزيع المعلومات الحساسة على مجموعة واسعة على نحو متزايد من الجهات الفاعلة مثل المؤسسات المالية الأخرى ومطوري التقنية ومزودي خدمات الحوسبة السحابية وغيرها من الوكالات الإنسانية، وفي كل مرة يتم فيها تقاسم المعلومات– سواء أُدخلت في قاعدة بيانات جديدة أو جهة فاعلة جديدة تتمكن من الدخول إلى قاعدة بيانات مجمعة بشكل مشترك- فإن خطر انتهاكات الخصوصية يزداد.

Ad

إن هناك الكثير من المجموعات التي تريد الحصول على تلك البيانات، فخلال السنوات القليلة الماضية نجح الجيش الإلكتروني السوري الذي يدعم نظام بشار الأسد الوحشي في اختراق عدد من قواعد البيانات المحصنة. بالطبع إن هذا لا يعني أن تجميع البيانات عن اللاجئين هو خطأ بالأساس، فالواقع هو أن العديد من الحكومات لا يمكن أن تبرر قبول اللاجئين بدون عملية تمحيص وتدقيق، وهذا يتطلب بيانات، كما أن استخدام البيانات الحيوية مثل مسح شبكية العين عوضا عن البطاقات المصرفية له فوائد بالنسبة إلى تقديم المساعدات مثل التحقق من أن المساعدات يتم تقديمها للناس المستحقين. لكن هناك حاجة لتقييم ما إذا كانت جميع أنواع البيانات التي يتم تجميعها حاليا ضرورية، فهل تجميع تلك البيانات يؤدي فعلا إلى تحقيق أهداف تقديم الدعم للاجئين؟ وهل فوائد استخدام البيانات الحيوية كبيرة لدرجة أنه ليس هناك بديل بالنسبة إلى اللاجئين؟ طبقا لتقرير 2013 فإن العديد من اللاجئين قلقون بالفعل بسبب تقديمهم بيانات حيوية؟

بالنسبة إلى البيانات التي تعتبر مفيدة وضرورية، هناك حاجة لمراجعة كيفية تجميع تلك البيانات وتخزينها وتقاسمها من أجل التحقق من عدم تعرض المعلومات الحساسة للخطر، وإن تبادل البيانات الشخصية بين الشركات والمجموعات الإنسانية والوكالات الحكومية يجب أن يسمح فيه فقط عندما تكون هناك ضرورة فعلية، وينبغي أن تكون الإجراءات آمنه قدر الإمكان. إن الخصوصية ليست ترفا يمكن أن يتخلى عنه الناس اليائسون، بل هي حق أساسي من حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإن القانون الدولي يجبر الجهات التي تتحكم في البيانات وتعالجها على حماية البيانات التي تحتوي على معلومات شخصية، وخصوصاً في سياق مراقبة الأشخاص على نطاق واسع. وعلى الرغم من أن بعض المنظمات الحكومية الدولية معفاة من تلك المتطلبات فإن تلك المنظمات يجب أن تسعى إلى تطبيق أفضل الممارسات فيما يتعلق بالخصوصية والأخلاق وحماية البيانات، ففي واقع الأمر ليس هناك داع لتجميع بيانات للناس الضعفاء فقط لنتركها معرضة لخطر الاختراقات من الجهات الفاعلة الخطيرة. الخطوة الأولى هي تنفيذ تقييم لتأثير الخصوصية: إن تقييم تأثير الخصوصية هو عبارة عن أداه لتحديد وتحليل وتخفيف مخاطر الخصوصية التي تنشأ عن الأنظمة أو العمليات التقنية، وفي حين لا توجد مقاربة راسخة واحدة لعمل تقييم لتأثير الخصوصية فإن التجربة أعطتنا بعض أفضل الممارسات التي تتألف من مجموعة من المبادئ والمعايير الخاصة بالخصوصية، التي يجب تقييم أنظمة تجميع وتخزين بيانات اللاجيئن وتقاسمها على أساسها. حتى تنجح أداه تقييم تأثير الخصوصية فإنه يجب أن يكون هناك توازن بين الخصوصية والضرورات الأخرى، مثل توفير المساعدات بشكل فعال، ونظرا لقلة الخبرة فيما يتعلق بمثل هذا النوع من التقييم فإن الإطار وأولئك الذين يقومون بتطبيقه يجب أن يتمتعوا بالمرونة، ففي محيط يتغير باستمرار بسبب احتياجات وقدرات مجموعة من الجهات الفاعلة فإن وجود مقاربة تعتمد على التكرار مع عناصر نوعية سيكون ضروريا.

ولا توجد منهجية مثالية، فالممارسة ستختلف تماما عن النظرية، لكنّ تقييماً لتأثير الخصوصية عالي الجودة يمكن أن يساعد المنظمات في تقييم مخاطر الخصوصية المرتبطة باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات والتقنيات الحيوية وأجهزة تتبع المواقع الجغرافية، وهلم جرا، والتخفيف من تلك المخاطر، وهذا ليس حلا لتحدي الخصوصية الذي يواجه اللاجئين وأنصارهم لكنه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.

* كبيرة محللي الأبحاث في شركة تريليترال ريسيرتش ليمتد في لندن.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»