عرفت د. عبدالرزاق الشايجي في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما بدأ معاركه "الدنكشوتية"، النابعة من عقيدته السلفية، وبدأها مع وزير الداخلية الأسبق الشيخ أحمد الحمود، في قضية قيادة السيدات المنقبات للسيارات، وكذلك مع عميد كلية الطب الأسبق د. هلال الساير، بشأن ارتداء طالبات كلية الطب للنقاب، وخاض بعد ذلك عشرات القضايا على المنوال نفسه، مثل التعليم المشترك بين الجنسين في الجامعة، والحفلات والسيرك ومعرض الكتاب، وكل معارك السلف، والتقيته في تلك الفترة مرة أو مرتين، فكان محاوراً شرساً، وخفيف طينة بشكل لا يتصور!

مؤخراً، طلَّ علينا عبدالرزاق الشايجي مع عدد من السياسيين في برنامج تلفزيوني كان ضمن حضوره الأمين العام للمنبر الديمقراطي الزميل بندر الخيران، كال خلاله الشايجي النقد للمنبر، ووسمه بأن لديه مشكلة في توسيع قاعدته الشعبية وتغيير خطابه السياسي.

Ad

وأنا أشاركه الرأي، بأن المنبر لديه مشاكل في النقطتين اللتين أشار إليهما، وقد حاولت عندما كنت أشارك في إدارة شؤونه أن نطرح مع زملاء خطاباً جديداً يميل لمفهوم الديمقراطية الاجتماعية ومحاكاة هموم الطبقة المتوسطة وتطلعاتها ومقترحات أخرى، لكن دون أن ننجح في ذلك، لأسباب مختلفة.

المهم أن الشايجي اتهم المنبر بأن خطابه قديم من الستينيات والسبعينيات! وهنا يجب أن ينفجر أي عاقل بنوبة هستيرية من الضحك، فهذا السلفي الذي يريد الأمة أن تعود إلى فكر وعصر ابن تيمية، أي قبل أكثر من 700 عام، يتهم خطاب الدولة المدنية الحديثة والتكامل العربي بأنه فكر قديم، فيما خطابه السلفي، الذي أدخلنا في نزاعات طائفية واستدعى العالم كله ليقتل المسلمين من أفغانستان إلى حلب، هو المستقبل!

الشايجي ادعى كذلك، بأن المنبر الديمقراطي، وما يمثله من فكر ليبرالي - وأنا أسميه فكراً مدنياً، لأن مصطلح ليبرالي في الكويت يحمل الأغلبية الجزء الاقتصادي منه فقط- لا يوجد لهم تمثيل ذو وزن في البرلمان، وأود أن أوضح له أن هذا سببه إحياء النزعات الدينية والقبلية والفئوية في العمل السياسي، والذي نجح فيه تحالف السلطة مع تيارات الإسلام السياسي منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي... فماذا كانت نتيجته؟

لقد سلم التيار المدني منذ تاريخ ذلك التحالف المشؤوم لكم الكويت دولة عصرية ومدنية واعدة، فماذا فعلتم بها منذ أن تسيَّدتم الساحة ومقاعد البرلمان مع الإخوان المسلمين، و"سيستُم" القبيلة والطائفة؟ فقد تردت الديرة في جميع المجالات، وأصيبت الممارسة البرلمانية بكل آفات التجاوزات التي نشهدها، وتدنى الأداء، وانتشر الخطاب الطائفي، الذي استدعى المشروع المقابل لفكركم من ولاية الفقيه، ليكون نداً لكم، فترك إمام المسجد منبره إلى قبة البرلمان، وفعل مثله السيد، فغادر الحسينية إلى المقعد الأخضر.

المشكلة أننا نواجه، كعرب، أخطر تحدٍ، بسبب الفكر السلفي- السياسي، الذي أنتج "طالبان"، التي تفاخر زميل للشايجي بأنه وكيل عنها في الكويت، وأنتج لنا كذلك القاعدة وداعش وبوكو حرام، وهذا الفكر الخطير شوَّه الثورات العربية، واستدعى كل العالم ليقاتلوا المسلمين ويهجروهم من أرضهم وينصروا المشروع الفارسي ضدهم، ويحاصروا المسلمين في أوروبا وأميركا وكل مكان، ومازال عبدالرزاق الشايجي، ومَن على شاكلته ممن يحملون هذا الفكر، لم يستوعبوا ما فعلوه في حق هذه الأمة من دمار وتخلف، ومع ذلك يجادلون بأنهم الخيار السياسي الأمثل لها... فما أطولك يا ليل أمة العرب!