قفز الجنيه الإسترليني فترة وجيزة ليتخطى 1.24 دولار للمرة الأولى في أكثر من ثلاثة أسابيع أمس، بعدما أصدرت محكمة بريطانية حكماً يجبر الحكومة على طلب موافقة البرلمان، لبدء العملية الرسمية للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وارتفع الإسترليني، أقل قليلاً من سنت كامل إلى 1.2450 دولار، قبل أن يتراجع بفعل مؤشرات على أن الحكومة قد تطعن على الحكم في أوائل ديسمبر، كما توقع كثيرون في السوق.

Ad

وقال نيل جونز مدير مبيعات صناديق التحوط في سعر الصرف لدى ميزوهو بلندن «الإسترليني ارتفع مرة أخرى بفضل خسارة الحكومة في المحكمة العليا لقضية تفعيل المادة 50، لكن الاتجاه الصعودي سيكون محدوداً على الأرجح نظراً إلى الطعن».

وارتفع الإسترليني 0.8 في المئة إلى 1.2140 دولار، قبل أن يصعد 0.9 في المئة إلى 89.40 بنس لليورو.

وأشارت المحكمة إلى أن رئيسة الوزراء تيريزا ماي لا يمكنها البدء في تفعيل بند الانسحاب من المادة 50 في معاهدة لشبونة دون تصويت برلماني.

يأتي ذلك في حين يدعم أغلبية النواب في البرلمان معسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي، لذا يمكن لقرار المحكمة أن يتسبب في تأخير شروع الحكومة في إجراءات الانسحاب.

من جانبه، أشار كريس سيكالونا رئيس قسم البحوث الاقتصادية في شركة «دايو كابيتال» إلى أن قرار المحكمة يغل من أيدي الحكومة أثناء المفاوضات، من خلال فرض المزيد من القيود، بما في ذلك على سبيل المثال مطالبة البعض بضمانات باستمرار تمكن بريطانيا من الوصول إلى السوق المفتوحة بعد الخروج.

وفي وقت سابق من شهر أكتوبر الماضي، قالت رئيسة الوزراء البريطانية وزعيمة حزب المحافظين تيريزا ماي، إن المادة 50 بمعاهدة «لشبونة»، المتعلقة بخروج بلادها رسمياً من الاتحاد الأوروبي، سيتم تفعيلها قبل نهاية مارس المقبل.

المحكمة العليا، تقضي بوجوب تصويت البرلمان البريطاني على بدء إجراءات «بريكست»، وقضت المحكمة في لندن أمس، بأنه يتعين أن يصوت البرلمان البريطاني على بدء الحكومة إجراءات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ما يمكن أن يؤدي إلى إبطاء عملية الخروج.

وعلى الفور أعلنت الحكومة البريطانية استئناف القرار أمام المحكمة الأعلى. وأكد القضاة أن «المحكمة لا تقبل ذريعة الحكومة»، التي لم تر جدوى من تصويت البرلمان، و«تقبل الحجة الرئيسية لمقدمي الطلب». ويتوقع أن يكون لقرار المحكمة العليا تأثير كبير على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقال متحدث باسم الحكومة في بيان، «إن الحكومة تبدي خيبة أملها لحكم المحكمة، البلاد صوتت لمغادرة الاتحاد الأوروبي في استفتاء أيده البرلمان والحكومة مصممة على احترام نتيجة الاستفتاء. سنستأنف الحكم».

وأعرب أحد مقدمي الطلب غراهام بينيي عن ارتياحه «لنصر الديمقراطية البرلمانية»، مبدياً أمله في «أن يقبل الجميع قرار المحكمة، حتى يكون بإمكان البرلمان أن يتخذ قراراً بشأن بدء تفعيل الفصل 50» ودعا الحكومة إلى عدم استئناف القرار.

وبعد أن ذكروا بالطابع «الاستشاري» للاستفتاء، أكد مقدمو الطلب أن الخروج من الاتحاد الأوروبي دون استشارة البرلمان سيشكل انتهاكاً للحقوق، التي تضمنها معاهدة الاتحاد الأوروبي لعام 1972، التي تدمج التشريع الأوروبي ضمن تشريع المملكة المتحدة.

وكانت رئيسة الحكومة تيريزا ماي، قالت إنها ستقوم بتفعيل عملية الخروج من الاتحاد قبل نهاية مارس 2017، لتفتح بذلك فترة تفاوض من عامين كحد أقصى.

واعتبرت أنها ليست في حاجة لتصويت البرلمان لتفعيل الفصل 50 من معاهدة لشبونة بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، متعللة بـ «صلاحيات تاريخية» للحكومة والإرادة الشعبية المعبر عنها في استفتاء 23 يونيو حيث أيد 52 في المئة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وكان النائب العام جيريمي رايت، قال أيضاً، إن تصديق البرلمان ليس ضرورياً بعد الاستفتاء. وكانت المحكمة العليا في أيرلندا رفضت الأسبوع الماضي تظلماً ضد «بريكست».

وعلل المشتكون بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيؤثر على اتفاقات السلام الهشة الموقعة في 1998 بعد عقود من العنف بين أنصار الاتحاد مع بريطانيا ومناهضيه. كما أن القرار يجب أن يخضع لتصديق البرلمان المحلي.

مزيد من التأرجح

بهذا القرار أصبح من حق البرلمان البريطاني أن يتدخل في آلية تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة الخاصة بإجراءات الخروج رسمياً من الاتحاد، لكنه لا يملك الحق في قلب نتيجة الاستفتاء.

ويمهد تفعيل المادة 50 أساساً لبدء مفاوضات بين لندن وبروكسل حول شروط خروج المملكة المتحدة وطبيعة ومستقبل علاقاتها مع الأعضاء الآخرين في الاتحاد.

وقد يضيف قرار المحكمة العليا فترة إضافية لهذه المدة الطويلة نسبياً، وربما لن يكون ميسوراً التوصل إلى توافق بين الحكومة والبرلمان بشأن شروط مغادرة الاتحاد.

ويشكل القرار خسارة للمتعجلين في بدء إجراءات مغادرة الاتحاد الأوروبي، أي المعسكر، الذي تقوده رئيسة الحكومة البريطانية ووزير خارجيتها.

كما يضيف قرار المحكمة العليا مزيداً من التأرجح إلى عملية خروج المملكة المتحدة، وهو تأرجح مكلف من الناحية الاقتصادية.

ولا يبدو أن البرلمان البريطاني متحمس في الوقت الحاضر لاتخاذ قرار سريع، فهو راغب في التريث في إجراءات الخروج، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع إرجاء العملية لوقت طويل، كما أن الشركات الأجنبية لن يمكنها انتظار إجراءات سياسية متباطئة بسبب حاجتها إلى حسم قرارها بشأن نقل أنشطتها الرئيسية من السوق البريطاني.

ويتعرض البرلمان البريطاني في الوقت ذاته إلى ضغوط من الناخبين خصوصاً أن التدهور السريع، الذي لحق بسعر صرف الجنيه الإسترليني بعد صدمة الاستفتاء الشعبي بدأ بالضغط على القدرة الشرائية للمستهلك البريطانين بسبب الصعود الزاحف للتضخم المستورد، كما أن إعادة حساب الخسائر المترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد كشفت أن التقديرات الأولية لهذه الخسائر كانت متواضعة، بل وأغفلت الكثير من العناصر لأهداف سياسية بحتة.

ولا يبدو أن بريطانيا في ظل أوضاعها الراهنة قادرة على تجنب انكماش مالي حاد وقاسٍ دون إجراءات نقدية راديكالية.