في 13 أكتوبر الماضي، أرسلت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي خطاب اعتذار للمخرج الشاب تامر السعيد جاء فيه: {دفعنا الإعجاب بفيلمك {آخر أيام المدينة} إلى اختياره للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الثامنة والثلاثين (15 إلى 24 نوفمبر 2016)، ذلك رغم مشاركته حتى تاريخ اتصالنا بك في شهر أغسطس الماضي في سبعة مهرجانات دولية. وطلب منك الأستاذ يوسف شريف رزق الله، المدير الفني للمهرجان، التوقف عن إرسال الفيلم إلى مهرجانات أخرى إلى حين عرضه في مهرجان القاهرة، لكن فوجئنا بعد هذا الاختيار والإعلان عنه بمشاركته في خمسة مهرجانات دولية أخرى: جيدينيا في بولندا، ريو في البرازيل، لندن في إنكلترا، شيكاغو في الولايات المتحدة، وأخيراً في مونتريال بكندا، بذلك يأتي عرض الفيلم في مهرجان القاهرة في ذيل هذه القائمة، ما يعتبر نوعاً من الإساءة إلى سمعة المهرجان. وبناءً على ذلك اتفقنا على الاعتذار عن عدم تقديم الفيلم في الدورة الثامنة والثلاثين للمهرجان}.

لكن إدارة المهرجان ارتكبت، في رأيي، خطأ جسيماً عندما اكتفت بإرسال الخطاب إلى المخرج من دون إعلان ذلك للرأي العام، وهو ما أتاح الفرصة للمخرج، وأطراف أخرى مقربة منه، للتفاوض والسعي إلى إقناع إدارة المهرجان بالتراجع عن القرار. وفي اللحظة التي أيقن المخرج خلالها أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، واستشعر إصرار الإدارة على موقفها، واستحالة تغيير قرارها، بدأ الهجوم بعدما أصدر بياناً صحفياً في الخامس والعشرين من أكتوبر أكّد فيه أن {إعلان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي اختيار الفيلم للمشاركة في مسابقته الدولية كان بمثابة لحظة فارقة في مسيرته لنا جميعاً كصانعين وقيمين على توزيعه في مصر، ولفريق العمل الذي لم يدخر جهداً على مدار سنوات عشر حتى خرج عملنا إلى النور. منذ أول عرض عالمي له في مهرجان برلين الدولي في فبراير الماضي، ونحن نتطلّع بفارغ الصبر لأن يلتقي الفيلم بالجمهور في مصر. وإيماناً منّا بأن مهرجان القاهرة هو أفضل انطلاقة له في منطقتنا العربية، كون القاهرة مدينته التي يحاول أن يعبر عنها، اعتذرنا على مدار الأشهر الماضية عن عدم قبول دعوات عدة تلقاها الفيلم للمشاركة في الغالبية العظمى من المهرجانات السينمائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. غير أننا، وبكل أسف، نعلن أن إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي تراجعت عن اختيارها {آخر أيام المدينة} للمشاركة في المسابقة الدولية، كما سبق وأعلنت}.

Ad

في تبريره لما حدث قال المخرج إن المهرجان اتخذ قرار عدم قبول الفيلم {بحجة مشاركة {آخر أيام المدينة} في عدد كبير من المهرجانات الدولية (قبل) مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في حين كان واضحاً أن الرفض، حسب خطاب الاعتذار، جاء بسبب نكوص المخرج عن الاتفاق المبرم بينه وبين المدير الفني للمهرجان، وهو ما أوضحه البيان الذي أصدره المهرجان رداً على ما سماه {مغالطات كان من الضروري الرد عليها}، فقد جاء في البيان: {طلب المدير الفني من المخرج أن يتوقف عن إرسال الفيلم إلى المهرجانات الأخرى إلى حين عرضه في مهرجان القاهرة، ذلك احتراماً لحجم وقيمة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكان رد المخرج تامر السعيد الموافقة، مع توضيح أنه كان اتفق فعلاً على المشاركة في عدد محدود من المهرجانات (ثلاثة أو أربعة كما ذكر) إلا أنه (وبعد الاتفاق) فوجئ المهرجان بمشاركة الفيلم في قرابة العشرة مهرجانات، جميعها يسبق تاريخه موعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومنها ما يقل كثيراً في التاريخ والقيمة، وكأن فريق الفيلم يضع مهرجان القاهرة في ذيل قائمة اهتمامه!}.

في هذه النقطة تكمن الأزمة، في رأيي، فالمهرجان رأى في إصرار المخرج على قبول دعوات جديدة لعرض الفيلم أو مشاركته في أية مهرجانات أخرى (بعد الاتفاق)، تقليلاً من قيمة المهرجان، بينما كانت قناعة المخرج بأن الاتفاق {يلزمه بأن يكون عرض الفيلم في المسابقة الدولية للمهرجان هو العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقط}، وهو ما نفاه بيان المهرجان جملة وتفصيلاً بقوله: {مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ليس مهرجاناً إقليمياً، ولا ترتبط عروضه بشرط العرض الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا}. وفي سياق ليس بعيداً بدا غريباً أن المخرج يوحي، في بيانه، وكأن {الغيرة أكلت المهرجان من نجاح الفيلم}، وهو ما وضح في قوله: {فوجئنا في الأسبوع الماضي، وعقب النجاح الكبير الذي حققه الفيلم في مهرجان لندن السينمائي الدولي، ومن دون أي إنذار من إدارة المهرجان، بخطاب الاعتذار الذي أشرنا إليه}، بل إنه يلقي باللائمة على المهرجان {لأن التراجع عن الاتفاق، والرفض المفاجئ لمشاركة الفيلم بعد قبوله، حرمه من فرصة العرض والمشاركة هذا العام في أية مهرجانات سينمائية في هذه المنطقة من العالم!}.

ارتكبت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي خطأ كبيراً عندما تكتّمت على خطوة إرسالها خطاب الاعتذار في وقت مبكّر، من ثم فقدت زمام المبادرة، وارتضت أن تصبح أمام الرأي العام {رد فعل} ليس أكثر. لكن الخطأ الفادح يتمثل في الفقرة الكاشفة التي جاءت في بيان الرد، وتقول بالحرف: {حيث إن الفيلم شارك في عدد كبير من المهرجانات منذ عرضه الأول، اقترح المدير الفني على مخرجه المشاركة ضمن برنامج {آفاق السينما العربية}، الذي يضمّ مجموعة من أفضل إنتاجات السينما العربية الحديثة، إلا أن المخرج رفض الاقتراح، (واشترط) أن تكون مشاركته ضمن المسابقة الدولية للمهرجان. وتمت الموافقة على هذا الشرط}! فالمهرجانات كبيرة القيمة والقامة والمكانة لا ينبغي لإداراتها أن تذعن لشروط أو تخضع لطلبات، وعليها أن تكون صاحبة {اليد العليا} في قراراتها، خصوصاً أن الامتثال للشروط التي يمليها {البعض} لم يكن مقصوراً على تامر السعيد وحده، بل كانت سابقة مع النجمة إلهام شاهين، منتجة {يوم الستات} وبطلته، التي وافقت على مشاركة فيلمها في المسابقة الدوليّة للمهرجان، في دورته الثامنة والثلاثين، لكنها {طلبت} أن يُعرض في الافتتاح أيضاً!

ليس عجيبا في هذه الحال أن تصبح المعالجة الخاطئة لأزمة استبعاد {آخر أيام المدينة} سبباً في المعركة التي احتدمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واتهام المهرجان من {الفيسبوكيين} بأنه {يكره النجاح} و{يعرقل مسيرة مخرج شاب}، بينما يدخل بيان الشركة المنتجة في روع من يقرأه بأن {الفيلم ضحية}، و{الكفاح مستمر} وإلا فكيف نفسر الجملة التي اختتم بها البيان وجاء فيها: {لا يسعنا الآن إلا أن نواصل العمل حتى يعرض الفيلم في مصر، مؤمنين بحق الجمهور في مشاهدته. فنحن لن نشعر بالقيمة الحقيقية لفيلمنا مهما حقق من نجاح في الخارج إلا حين يُعرَض في بلده ولأهله وجمهوره من المصريين}.