تعرضت مصر خلال الفترة الماضية، وما زالت تتعرض، لمجموعة من الأزمات، سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية أو الاقتصادية، والنماذج متعددة وكثيرة، منها على سبيل المثال نموذج أزمة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، ومنظمات المجتمع المدني، وتصدير الحاصلات الزراعية، وعدم السيطرة على سوق القمح، وصورة مصر في الخارج، وعدم استقرار سعر الصرف، وأزمة السياحة الروسية، وكلها أزمات موجودة ومستمرة، ومعرضة للزيادة خلال الفترة المقبلة.وهنا يطرح السؤال والانتقاد في الوقت نفسه: هل تملك مصر مجموعة لإدارة الأزمات؟ والإجابة أنه في الأغلب تملك معظم المؤسسات ما يمكن أن نطلق عليه مجموعة لإدارة الأزمة، بل أعتقد أن هناك مجموعة تابعة لمجلس الوزراء تحمل هذا الاسم، وقد يكون لها إدارة، وقد يكون لها مدير عام، ونائب مدير، أو رئيس إدارة مركزية، لكن الأمر الأكيد أن هناك ملحوظة سمعتها من أطراف متعددة أن لدينا مشكلة في أسلوب إدارة الأزمات.
المسألة ليست مجرد مجموعة تجلس لتتحدث، ولكن المسألة لها أسلوب علمي، ينبغي اتباعه، وقبل أن نتحدث ببعض التفصيل، لنماذج تؤكد ما أتناوله وتوضح ما أقصده، فإنني أطرح بعض التصورات العلمية الأولية لمفهوم إدارة الأزمة، والذي بناء عليه يمكن أن نقيم مستوى إدارتنا للأزمة.بدأ مفهوم إدارة الأزمات بالظهور في ستينيات القرن الماضي، عندما اشتعلت أزمة حادة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، حول وجود صواريخ نووية في كوبا، كادت أن تشعل فتيلاً للحرب العالمية الثالثة، ثم انتهت تلك الأزمة بالحوار والتهديد والترغيب والوعيد وتم عقد صفقات في الخفاء، ووقتها أعلن وزير الدفاع الأميركي ماكتمارا، أن عصر الاستراتيجية انتهى، وبدأ عصر جديد يمكن أن نطلق عليه اسم "عصر إدارة الأزمات"، ومنذ ذلك الوقت بدأ اتجاه جديد يتعامل مع المواقف الصعبة من خلال مجموعة من القواعد أو التوجهات أطلق عليها "فن إدارة الأزمات" أو"سيكولوجية إدارة الأزمات"، أو "سيناريوهات إدارة الأزمات".ومن هنا يمكن القول إن علم إدارة الأزمات، هو المحافظة على أصول وممتلكات الدولة، وعلى قدرتها على تحقيق الإيرادات، كذلك المحافظة على مواطنيها ضد المخاطر المختلفة، والعمل على تجنب المخاطر المحتملة أو تخفيف أثرها على المنظمة، في حال عدم التمكن من تجنبها بالكامل.ويجد العديد من الباحثين أن إدارة الأزمات هي علم وفن إدارة التوازنات والتكيف مع المتغيرات المختلفة وبحث آثارها في كل المجالات، ويمكن القول أيضا إنها عملية الإعداد والتقدير المنظم والمنتظم للمشكلات الداخلية والخارجية التي تهدد بدرجة خطيرة سمعة المنظمة وبقاءها، ونبين عددا من المصطلحات المتعلقة بالأزمة مثل المشكلة والكارثة، فليست كل مشكلة أزمة، وإن كان لكل أزمة مشكلة.ومن هنا يمكن القول إن مشكلتنا الحقيقية، هي عدم تبني علم إدارة الأزمات، كحل مهم للمشكلات المتعددة التي تقابلنا، بما يوفره لنا هذا العلم من إمكانية اكتشاف المشكلة قبل حدوثها وعلاجها، واحتواء الأضرار الناجمة عنها، والاستفادة من التعلم من الخبرات الشخصية السابقة، أو خبرات الدول الأخرى في طرق إدارة أزماتها.الأزمة الحقيقية لدينا هي غياب التخطيط، والتخطيط للمستقبل هو جوهر فن إدارة الأزمات، والذي يجيب عن الأسئلة المتعلقة بها، مثل ماذا نفعل عندما نواجه أزمة؟ ومتى حدثت الأزمة؟ ومتى علمنا بها؟ ومتى تطورت أبعادها؟ ومن سبب الأزمة؟ ومن المستفيد منها؟ ومن المتضرر منها؟ ومن المؤيد لها؟ ومن المعارض لها؟ ومن المساند؟ ومن الذي يوقفها؟ وكيف بدأت الأزمة؟ وكيف تطورت؟ وكيف علمنا بها؟ وكيف تتوقف؟ ولماذا ظهرت الأزمة؟ ولماذا استفحلت؟ ولماذا لم تتوقف؟ ولماذا نحاربها ولا نتركها لحالها؟ وأين مركز الأزمة؟ وإلى أين ستمضي؟ وأين مكمن الخطر؟ وإلى أين يتجه الخطر؟هذه هي الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة عند كل أزمة، وبالإجابة عنها يمكن أن نتلمس بداية طريق الابتعاد عن الخطر وحل المشكلة، المهم أن نبدأ.
مقالات
إدارة الأزمات.. تساؤلات ونقاش
04-11-2016