أثار رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي جايمس كومي سيلاً من الانتقادات عندما أقحم نفسه مباشرة في الحملة الرئاسية بتوجيهه رسالة غامضة إلى الكونغرس بشأن إعادة فتح قضية رسائل كلينتون الإلكترونية، وصدم سلوكه الكثير من المراقبين من مخلتف الأطياف السياسية، لكن المفاجئ حقاً في هذه الحادثة أن الناس أدركوا أخيراً مدى خطورة كومي وتعطشه إلى السلطة.

سُرّ الليبراليون كثيراً عندما عيّن أوباما جمهورياً على رأس مكتب التحقيقات الفدرالي عام 2013، وراحوا يتحدثون عن كومي كما لو أنه بلا لوم نظراً إلى دوره كمدعٍ عامٍ بالوكالة خلال عهد جورج بوش الابن، حين هدد بالاستقالة بسبب بعض أوجه برنامج الرئيس للتنصت غير الشرعي من دون الاستحصال على إذن مسبق.

Ad

من المحير أن يُعتبر كومي بطلاً، فمنذ توليه إدارة مكتب التحقيقات الفدرالي، لم يكفَّ عن الكلام من دون عرض كل الوقائع أو حتى أي منها، فقد قاد معركة عالية المستوى دامت سنتين وهدفت إلى حظر التشفير التام بين الأطراف، علماً أن هذه أداة بالغة الأهمية لحماية خصوصية المواطنين وأمنهم، لكنه لم يتردد في خوض هذه المعركة، مع أنه أقر صراحة أنه لا يعلم عما يتحدث، فيما واجهت مطالبه هذه معارضة شديدة من علماء كمبيوتر بارزين أكّدوا أن من المستحيل إنشاء أبواب خلفية في عمليات التشفير بطريقة آمنة، وأن هذه الخطوة تمهّد الطريق أمام كارثة.

بعدما أخفق كومي في إقناع الشعب، توجه إلى قاضٍ في محاولة منه لإرغام شركة "آبل" على إنشاء أبواب خلفية في عملية تشفيرها جهاز iPhone مستنداً إلى قانون يعود إلى القرن الثامن عشر، وكما كتب رايلي روبرتس، الكاتب السابق لخطابات المدعي العام السابق إريك هولدر، في صحيفة Politico في شهر سبتمبر، "أطاح كومي بزملائه في البيت الأبيض والبنتاغون، حتى إنه قوّض سياسة التشفير الواسعة التي كانت الإدارة تطورها، وذلك بالإصرار على إرغام آبل على فتح هاتفها للحكومة".

وفي السنة الماضية روّج كومي من دون أي أدلة لـ"تأثير فيرغسون" غير المثبت، مشيراً إلى أن الجريمة ازدادت لأن رجال الشرطة باتوا خائفين من أداء وظائفهم بعد أن ازداد قليلاً احتمال أن يصوّرهم المدنيون وهم يطلقون النار على شخص أعزل. لا تفتقر هذه النظرية إلى دراسات تبرهن صحتها فحسب، بل تشكّل أيضاً إهانة لرجال الشرطة. تحدث جايمس أو باسكو الابن، مدير تنفيذي في اتحاد الشرطة الوطني، إلى صحيفة نيويورك تايمز عن كومي، قائلاً: "عليه أن يكتفي بما يعرفه، فهو يزعم من دون أي أدلة أن رجال الشرطة يخشون أداء واجبهم".

على نحو مماثل، فيما كان أوباما وعدد كبير من السياسيين يطالبون بخفض الحد الأدنى من عقوبات السجن الإلزامية القاسية، عارض كومي علانية أي إصلاح قضائي جنائي من هذا النوع. قال: "أدرك أن الحد الأدنى الإلزامي يشكّل أداة مهمة لحمل الناس على التعاون". لكن الأدلة تُظهر العكس، فلم تثبت أي دراسة أن الحد الأدنى من عقوبات السجن الإلزامية يساهم في جعل الناس أكثر أمانا، لكن هذه الوقائع لم تمنع كومي من الإدلاء بآرائه هذه.

لا يمنعه القانون بحد ذاته من ذلك، حين يبدو له هذا ملائماً، ففي عام 2008 أخبرت وزارة العدل في عهد بوش (بعد رحيل كومي) مكتب التحقيقات الفدرالي أنه يحتاج إلى مذكرة ليجمع سجلات رسائل الأميركيين الإلكترونية وتصفحهم الإنترنت، ولكن خلال عهد كومي في هذا المكتب، واصل هذا الأخير تجاهله رأي وزارة العدل القانوني وما زال يُطالب حتى اليوم بأن تسلمه شركات التكنولوجيا كل أنواع البيانات بموجب رسائل الأمن القومي الحرة.

قبل شهرين كتب رايلي في Politico: "ثمة إجماع متنامٍ على أن كومي يطبّق السلطة الاستبدادية بعدائية لم يبلغها أحد منذ عهد هوفر، مثيراً استهجان بعض زملائه وغضبهم حتى".

كانت الأدلة ضد كومي متوافرة منذ عيّنه أوباما في هذا المنصب، لكن ما تبدّل أن الناس بدأوا أخيراً يتنبهون لها.

* «الغارديان»