اتخذ البنك المركزي المصري أمس خطوة كانت منتظرة منذ اشترطها صندوق النقد الدولي لمنح القاهرة قرضا بقيمة 12 مليار دولار، حيث قرر تحرير سعر صرف الجنيه تماما، وتركه لقوى العرض والطلب، وبدأت البنوك المحلية فورا تنفيذ القرار، فارتفع فيها سعر شراء الدولار إلى 14 جنيها، بعد أن كان ثابتا عند أقل من 9 جنيهات.

ورغم أن القرار حدد آلية لتحديد سعر الصرف، من خلال التداولات بين البنوك فإن السعر تفاوت قليلا بين المصارف، وجاء القرار مستفيدا من "الأربعاء الأبيض"، الذي ارتفعت فيه قيمة الجنيه في تداولات السوق الموازي، حتى بلغ 13 جنيها مقابل الدولار، بعد أن كان في اليوم السابق يباع بـ18 جنيها.

Ad

تعويم الجنيه وجعله عرضة لشروط العرض والطلب، جاء بعد نفي مسؤولين مصريين التعويم، وأكدوا طوال الأسابيع الماضية أنه لا تعويم للعملة، وأن القاهرة ستكتفي بتخفيض مرحلي للجنيه أمام الدولار.

لكن البنك المركزي المصري قال أمس إنه قرر اتخاذ عدة إجراءات لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي، من خلال تحرير أسعار الصرف، لإعطاء مرونة للبنوك العاملة لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي، بهدف استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية، وإنهاء السوق الموازي للنقد الأجنبي.

وقرر «المركزي»، في بيان رسمي، إطلاق الحرية للبنوك العاملة بمصر في تسعير النقد الأجنبي، وفقا لآلية الإنتربنك، مع رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 17.75 في المئة و15.75 في المئة على التوالي.

وقرر ايضا رفع سعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 300 نقطة، أساس لتصل إلى 15.25 في المئة، وزيادة سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى 15.25 في المئة، والسماح للبنوك بفتح فروعها حتى التاسعة مساء، وأيام العطلة الأسبوعية، لتنفيذ عمليات شراء وبيع العملة وصرف حوالات المصريين العاملين بالخارج.

وعلى الفور بلغ سعر بيع الدولار 13.5 جنيها، بينما بلغ سعر الشراء 13.01 جنيها، وطرح البنك المركزي عطاء استثنائيا في الواحدة ظهر أمس، شهد طرح 4 مليارات دولار، بعدها أعلن تحرير سعر صرف العملات الأجنبية ليتحدد السعر بناء على العرض والطلب، بعيدا عن السعر الرسمي للدولار الذي تمسكت به القاهرة حتى أمس الأول والبالغ 8.88 جنيهات.

أموال المودعين

وأكد البنك المركزي أنه لن يتم فرض شروط للتنازل عن العملات الأجنبية، وأنه يضمن أموال المودعين بالجهاز المصرفي بكل العملات، ولا توجد أي قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات، مع استمرار حدود الإيداع والسحب السابقة للشركات التي تعمل في مجال استيراد السلع والمنتجات غير الأساسية بواقع 50 ألف دولار خلال الشهر بالنسبة للإيداع، بواقع 30 ألفا يوميا بالنسبة للسحب.

وأعلن أنه سيتم بدءا من بعد غد تشغيل مركز اتصال على الخط الساخن 16775 لتلقي شكاوى العملاء، فيما يخص الممارسات الخاطئة لوحدات الجهاز المصرفي أو شركات الصرافة خاصة في حالة عدم قبول إجراء الإيداع والسحب بالعملات الأجنبية.

من جانبه، قال رئيس البنك الأهلي المصري هشام عكاشة أمس إن البنك المركزي طرح بالفعل 100 مليون دولار في مزاد استثنائي، ولن يكون هناك عطاء آخر بقيمة 4 مليارات دولار مثلما تردد في السوق.

إجراءات إصلاحية

وأوضح «المركزي» المصري أن تلك القرارات تأتي في إطار الاستقرار النقدي، استهدافا لمستويات أدنى من التضخم، حيث قرر اتخاذ عدة إجراءات لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي، من خلال تحرير أسعار الصرف لإعطاء مرونة للبنوك لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي.

وأشار البنك إلى أن برنامج الإصلاح يستهدف تحقيق التوازن المطلوب بين الإجراءات الترشيدية والاحتواء الكامل لآثاره على محدودي الدخل، من خلال التوسع في برنامج الحماية الاجتماعية المتكاملة، والتزام البنك المركزي بتوفير النقد الأجنبي المطلوب لاستيراد السلع الغذائية الأساسية.

ودعا جميع المتعاملين في الأسواق الى التعاون لإنجاح المنظومة بما فيها المصلحة العامة للاقتصاد المصري، بحيث يتم الالتزام التام بالتعامل في النقد الأجنبي من خلال القنوات الرسمية وبالأسعار المعلنة.

في السياق، علمت «الجريدة» أن البنك الأهلي المصري، (أكبر البنوك المصرية والمملوك للدولة)، حصل على موافقة البنك المركزي لتدشين أول شركة صرافة تابعة للبنك مطلع العام المقبل، وأن «الأهلي» يعمل حاليا على استكمال إجراءات التأسيس. وقال مصدر مسؤول إن البنك يستهدف افتتاح 10 فروع لشركة الصرافة مبدئيا، مشيرا إلى أنه تم فعليا تدريب عدد من الكوادر للعمل فى شركة الصرافة الجديدة وفروعها.

هدوء حذر

وبينما ساد هدوء حذر في السوق الموازي لصرف العملة، انتظارا لتحركات البنك المركزي، شهدت البنوك المصرية إقبالا ضعيفا أمس على حركة البيع والشراء للدولار، بعدما تراوح سعر الدولار بين 13.5 و14 جنيها، وهو ما تكرر في عدد من شركات الصرافة، بينما وصف أصحابها لـ»الجريدة» قرار التعويم بـ»الجيد»، لأنه سيقضي على المضاربات التي ميزت التعاملات خلال الفترة الأخيرة، وأدت إلى ارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار.

وفي أول رد فعل، قفز المؤشر الرئيسي للبورصة «إيجي إكس 30» بنحو 8.3 في المئة، خلال الدقائق الأولى من بدء الجلسة، في أول رد فعل على قرار تعويم الجنيه، ليصل المؤشر الرئيسي إلى 9231.01 نقطة، مسجلا أعلى مستوى منذ نهاية مارس 2015، أي منذ 19 شهرا،. إلا أنه قلص مكاسبه ليغلق عند ٨٨١٠٫٥ مرتفعاً بنسبة ٣٫٣٥٪.

ماذا يعني «التعويم»؟

علمياً، تعويم سعر صرف الجنيه، هو أسلوب في إدارة السياسة النقدية، ويعنى أن يترك البنك المركزي سعر صرف عملة ما ومعادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية، وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعاً لمستوى تحرر اقتصادها الوطني وكفاية أدائه ومرونة جهازها الإنتاجي.

وتضم سياسة التعويم نوعين، الأول هو «التعويم الحر» ويعني أن يترك البنك المركزي سعر صرف العملة يتغير ويتحدد بحرية مع الزمن بحسب قوى السوق والعرض والطلب، ويقتصر تدخل البنوك المركزية في هذه الحالة على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف، وليس الحد من ذلك التغير. ويتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة، مثل الدولار الأميركي والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري، لكن لا يكون مجدياً أو يمكن الاعتماد عليه في الحالة المصرية التي يعاني اقتصادها العديد من الأزمات، ولم تتحول بعد إلى دولة منتجة ترتفع صادراتها عن وارداتها.

والنوع الثاني من التعويم هو «التعويم المدار»، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقاً للعرض والطلب مع تدخل البنك المركزي كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، وذلك استجابة لمجموعة من المؤشرات مثل مقدار الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، ومستويات أسعار الصرف الفورية والآجلة، والتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية.