بنك غولدمان ساكس وحدود الاستثمارات المصرفية العالمية
أنتجت «العمليات الرئيسية» في بنك «غولدمان ساكس» 25 مليار دولار عوائد في 2009 و18 ملياراً في 2010، ولكنها هبطت إلى 5 مليارات فقط عام 2015، ويرجع هذا الهبوط إلى القوانين الجديدة التي تحد من هذه الأنشطة، وتهدد جهات التنظيم بالمزيد.
يكافح بنك غولدمان ساكس من أجل البقاء ضمن سياق الأنشطة التقليدية المصرفية.وتقع خارج حرم جامعة ستانفورد مقرات "سيمفوني"، وهي واحدة من كبريات شركات التقنية التي تنتشر بسرعة لافتة في وادي السليكون، ويقوم العشرات من الموظفين وهم في ملابس التمرين بتدريبات رياضية في متنزه مجاور قبل أن يتناولوا وجبة شهية من الفواكه، وبالنسبة الى المهندسين المرغوبين الذين يشكلون معظم قوة العمل المكونة من 200 شخص فإن هذه البيئة هي القاعدة الطبيعية، ويفترض في العمل أن ينطوي على جوانب صحية ومريحة بعيداًعن أجواء العمل المرهقة في نيويورك ناهيك عن السياسة الداخلية المعقدة والأطعمة الغالية الثمن.وعلى مقربة من برج افتتح حديثاً ضمن مركز التجارة العالمي تسير الأمور على النحو ذاته في كنشو وهي شركة عمرها ثلاث سنوات، ومثل سيمفوني – ولكنها أصغر حجماً – تضم هذه الشركة مجموعة من المهندسين الموهوبين.
وتعمل شركة سيمفوني على شكل منصة توجيه رسائل يملكها كونسورتيوم من شركات الاستثمار وتعرض أداء مهماً في العمل في الوقت الراهن تحتكره بشكل تقريبي وكالة بلومبرغ، ويشتمل على جمع المعلومات والاتصالات التي تجعل هذه المنصة الحلقة الأكثر أهمية في ميدان التمويل.وتستعرض كنشو كمية ضخمة من المعلومات التي تشمل الخطابات والأرباح والهزات الأرضية وغير ذلك من الجوانب الحيوية التي تساعد المستثمرين على ايجاد علاقات ترابط بين كل هذه المعلومات التي قد تفضي الى تحريك وتغيير الأسعار.وفي حال نجاح عمل هاتين الشركتين قد تنتشر منتجاتهما بصورة كبيرة، وتشكل هاتان الشركتان أمثلة على شركات التقنية التي يستخدمها ويدعمها بنك غولدمان ساكس الاستثماري الكبير في جهوده الرامية الى تحويل نفسه – وصناعته – في وقت تتعرض فيه أعماله الى عقبات ناجمة عن التقنية والتنظيم.وفي سنة 2014 طرح بنك غولدمان ساكس تقنية رسائل تم تطويرها داخلياً لتتحول الى شركة جديدة تدعى سيمفوني، وكانت كنشو تأسست عبر دعم من بنك غولدمان ساكس في عام 2013 وكان لدى هذا البنك الحق في أن يصبح المستخدم الحصري لمنتجاته بين شركات السمسرة – ويستمر هذا البنك المستثمر الخارجي الوحيد الذي يملك حق التصويت في مجلس ادارة الشركة، ولكن العديد من البنوك الاخرى حصلت على حصص فيه وأصبحت من العملاء.ومن الممكن أن توفر هاتان الشركتان فائدة بسيطة بالنسبة الى بنك غولدمان ساكس، وتجدر الإشارة الى أن شركات التقنية تعتبر على نطاق واسع نوعية مساعدة، وهي تختلف عن البنوك التي تعتبر طفيلية. وتقول الجهات غير المشككة ان غولدمان ساكس يفهم أن الأجوبة على التحديات التي تواجهه يجب أن تأتي – بشكل جزئي على الأقل – من خارج مقراته في حي مانهاتن.ويبدو غولدمان ساكس مع تأثيره الضخم وتعويضاته السخية وشبكة العمل الجامعية لديه في الأدوار السياسية الحيوية غير محاصر على الإطلاق، ومنذ سنة 2009 هبطت العوائد بمعدل الربع وتظل دون المستوى الذي كانت عليه قبل عقد من الزمن، وحتى في الربع الجيد – مثل الربع الأخير – كادت عوائده ألا تتجاوز الرقم الواحد. وقد أنتجت "العمليات الرئيسية" وهي تداول الملكية والاستثمارات عوائد بلغت 25 مليار دولار في سنة 2009 و18 ملياراً في سنة 2010، ولكنها هبطت الى 5 مليارات فقط في عام 2015، ويرجع هذا الهبوط الى القوانين الجديدة التي تحد من هذه الأنشطة – وتهدد جهات التنظيم بالمزيد.كما أن الدخل الثابت والسلع والعملات التي كانت في الماضي الطريقة المجزية والمربحة بالنسبة الى أعمال الرئيس التنفيذي لبنك غولدمان ساكس لويد بلاكفين ورئيسه غاري كوهن قد تعرضت لضربات قاسية أيضاً، ووصلت العوائد في سنة 2009 الى 22 مليار دولار فيما بلغت في أول ثلاثة أرباع من هذا العام 5.6 مليارات دولار فقط.ويقول ريتشارد بوف، وهو محلل لدى رافتري كابيتال ماركتس، إن أعمال هذا البنك اقتصرت على تقديم المشورة والنصيحة حول عمليات مهمة مثل صفقات الاندماج بصورة خاصة، ويظل غولدمان ساكس القائد العالمي على الرغم من أنه غاب عن أكبر عملية في هذه السنة والتي اشتملت على اتفاق اي تي & تي للاستحواذ على تايم وارنر. وحتى في ميدان الاندماج والاستحواذ يواجه البنك البعض من الصعوبات، كما تبين من عمليات الخفض الكبيرة في آسيا حيث لاتزال الحكومات في الصين وفي دول اخرى تفضل المؤسسات المحلية، ولكن هذا البنك يملك أعمالاً جيدة في ادارة الثروات التي لا تتطلب الكثير من رأس المال.
الأنشطة التجارية الأخرى
وتواجه أعمال البنك الاخرى – التي لا تزال تشكل مجتمعة حوالي 60 في المئة من العوائد – ضغوطاً شديدة من جهات التنظيم والتغير التقني، ولا يقتصر هذا الجانب على غولدمان ساكس فقد أظهرت دراسة حديثة شملت 35 من بنوك الاستثمار العالمية أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية أن الانكماش الطويل الأجل في شتى ميادين هذه الصناعة ناجم عن حدوث هبوط في عوائد السنوات الخمس الماضية بنسبة بلغت 20 في المئة، كما أن عوائد الأسهم تراجعت من 9 في المئة الى 6 في المئة وينسحب هذا الهبوط بشكل تقريبي على كل ميادين الأعمال باستثناء العمل الاستشاري الذي يمثل نسبة العشر فقط من العوائد الاجمالية.وتريد جهات التنظيم أن تخفض بنوك الاستثمار حدود الخطر والمجازفة، ومن أجل القيام بذلك يتعين عليها تقليص عدد الشركات التي تدعم عوائدها بصورة مباشرة على حساب عوائد العملاء – وهذا يعني أن تلك الشركات لا تستطيع الاحتفاظ بمخزون كبير من الأسهم، كما يتعين عليها خفض تداول الملكية والتحول الى دور الوسيط فقط. ولكن دور الوسيط يتعرض أيضاً الى حملات، ويقول مستثمرو الدخل المحدود الكبار إن في وسعهم ضمان العديد من عروض الديون بصورة مباشرة، ويريد عدد أقل من الشركات اصدار أسهم عامة وقد ظهرت منافسة جديدة على شكل أكثر من 300 شركة مالية تستخدم التقنية للقيام بالأعمال التي تقوم بها البنوك الحالية ولكن مع عدد أكبر من العملاء وبتكلفة أعلى بشكل واضح.الحوافز النقدية
وقد انتشرت هذه التغييرات الى درجة تجعل من الغريب عدم هبوط عوائد البنوك بقدر أكبر، والتفسير الأكثر شيوعاً هو أن هبوط معدلات الفائدة قد حفز العديد من المقترضين على اعادة تمويل ديونهم بطريقة أرخص، وإذا كان هذا هو الحال فإن الأنباء الايجابية سوف تكون مؤقتة وعابرة وبالتالي فإن الضغوط سوف تستمر.ويشير بنك غولدمان ساكس الى قوة أدائه وأنشطته – عبر سبل فائقة في الاتصالات والتنفيذ – وهو جانب يوفر اطار عمل لأربع من الاستراتيجيات المتداخلة.تشمل الاستراتيجية الأولى جهوداً تعاونية أو استثمارات استراتيجية من النوع الذي كان وراء صعود سيمفوني وكنشو اضافة الى عدد من المشاريع المماثلة. وعلى سبيل المثال فإن ما تعرف باسم "اوربت" هي تطبيقات هواتف ذكية طورها بنك غولدمان ساكس وتمكن من توجيه رسائل بالبريد الالكتروني والتصفح وحفظ الملفات ضمن بيئة تخضع لرقابة رب عمل ويمكن لجهات التنظيم الاطلاع عليها، وقد أفرزت في شهر أكتوبر الماضي شركة اخرى متداولة علنياً تدعى "سينكرونوس" وذلك في مقابل حصة أقلية، ومثل هذه المشاريع أكثر قيمة في حال تم استخدامها على نطاق أوسع لا يقتصر على بنك غولدمان ساكس.وتمثل الأتمتة الاستراتيجية الثانية، ومنذ زمن غير بعيد عمل 600 شخص في أسهم واسعة ويوجد لدى غولدمان ساكس في الوقت الراهن شخصان فقط يعملان في تداول الأسهم و200 من مهندسي البرامج يعملون في أنظمة بمفردهم بشكل فعلي، وقد غدت الاستثمارات المصرفية التقليدية ناضجة للتغيير أيضاً. وعلى سبيل المثال فإن غولدمان ساكس رسم كل واحدة من الخطوات الـ 146 في عروض اكتتاب أولية ضمن 51 جدولاً تظهر في تسلسل ملائم، كما تم خفض الخطوات الكثيرة أو تعرضت للأتمتة.التغير الكبير التالي
يتمثل التغير الكبير التالي في الموارد المالية للبنك وعمليات إقراضه، ويدفع غولدمان ساكس أقل من 5 في المئة فائدة على ديونه الطويلة الأجل فيما تدفع البنوك المنافسة مثل جي بي مورغان تشيس و بنك اوف أميركا مجرد جزء من واحد في المئة على التريليونات من الدولارات على الايداعات التي تضمنها الحكومة. وليس في وسع غولدمان ساكس فتح فروع وهي، على أي حال، ليست ضرورية في هذه الأيام، وفي شهر أبريل الماضي استحوذ على بنك الانترنت الخاص بشركة جنرال الكتريك مع حسابات توفير بقيمة 16 مليار دولار يدفع في مقابلها بشكل وسطي 1 في المئة فائدة سنوية.وكما كان متوقعاً، أطلق في 13 أكتوبر ذراع إقراض اون لاين مقابلة تحت اسم ماركوس، ويدفع العملاء ما بين 6 في المئة الى 23 في المئة سنوياً على قروض بقيمة 30000 دولار تستخدم لتسديد ديون بطاقات الائتمان الأكثر تكلفة والعملاء هم مجموعة من الأشخاص الذين ليست لديهم القدرة المالية من أجل استخدام محاسب من غولدمان ساكس، ولكن ذلك تحول الآن الى سوق جذابة لآلة ذلك البنك. ويوصلنا هذا الى الاستراتيجية الرابعة التي تمثل التغير والمتعلقة بكيفية تعامل غولدمان ساكس مع عملائه، وقبل وقت غير طويل كان ذلك يتم من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الاكتروني والطلبات الالكترونية. وبين أكبر التحديات لهذا النوع من الجهود تبرز مسألة كيفية فرض الرسوم على العملاء، وتمثلت الطرق القديمة في فرض رسوم عالية على الاتفاقات والصفقات والعمولات على العمليات التجارية.وتجدر الإشارة الى أن العملاء يعرفون الكثير، وفي وسعهم القيام ببعض العمليات بأنفسهم، بينما تتمثل الطرق الجديدة في فرض رسوم على أساس عدد الموظفين في الشركة أو عدد المستخدمين وغير ذلك.ويوجد لدى ربع موظفي بنك غولدمان ساكس الآن خلفية عن أحد وجوه التقنية مثل حيازة شهادة جامعية في الرياضيات أو الهندسة أو علوم الحاسوب ويشكل ذلك زيادة عن النسبة السابقة التي كانت 5 في المئة قبل وقت قصير.ومن المتوقع حدوث مزيد من التغير الذي قد يسهم في تحسين الفعالية المصرفية وعندها سوف يعمل بنك غولدمان ساكس بعدد أقل كثيراً من الموظفين وبتكلفة أدنى كما أن التغير لن يكون مسألة خيار على الاطلاق.
سنة 2014 طرح «غولدمان ساكس» تقنية رسائل تم تطويرها داخلياً لتتحول إلى شركة جديدة تدعى «سيمفوني»
«سيمفوني» تمثل منصة توجيه رسائل يملكها كونسورتيوم من شركات الاستثمار وتعرض راهناً أداء مهماً في العمل تحتكره وكالة بلومبرغ
«سيمفوني» تمثل منصة توجيه رسائل يملكها كونسورتيوم من شركات الاستثمار وتعرض راهناً أداء مهماً في العمل تحتكره وكالة بلومبرغ