في سنة 2012، أعد دارون أسيموغلو، وهو اقتصادي أكن له الكثير من الاحترام، دراسة مع جيمس روبنسون وثيري فيردير يشرح فيها سبب كون الدول الاسكندنافية أقل ابتكاراً من الولايات المتحدة، وطرح نظرية تقول إن الدول الاسكندنافية تتبنى "رأسمالية" تقوم على بناء شبكة أمان قوية تمنع حدوث فشل، بينما تعتمد الولايات المتحدة على رأسمالية حادة من نوع اعمل أو تعرض للموت في النظام الأميركي، وهو ما يدفع الناس الى القيام بمحاولات أشد في الابتكار بقدر يفوق نظراءهم الأوروبيين.

وقد سارع المدونون إلى الإشارة الى القول بأن تلك الدراسة ربما كانت على خطأ، وفي حقيقة الأمر فإن الدول الاسكندنافية ليست أقل ابتكاراً من الولايات المتحدة، وقد استخدم أسيموغلو براءات اختراع من أجل قياس الابتكار ولكن حجمها كان بقدر أكبر من قانون الملكية الفكرية وليس حول ريادة الأعمال التجارية، وتظهر المقاييس الأوسع للابتكار أن الولايات المتحدة والدول الاسكندنافية تتساوى الى حد كبير، وأقام أسيموغلو نظرية راسخة من أجل شرح شيء ربما لم يكن له وجود.

Ad

الخطأ في النظرية

أين يكمن الخطأ في تلك النظرية؟ في عالم نموذج أسيموغلو كان الشيء الذي يقرر ويحدد نجاح ريادة الأعمال ليس مدى براعتك وحجم الخطر الذي يمكن أن تقوم به ومدى جودة مناخ العمل أو حجم الطلب الموجود في الاقتصاد – بل في مدى الجهد الذي تقوم به في محاولتك لتحقيق الهدف المنشود.

والتوضيحات القائمة على الجهد شائعة بشكل نسبي في الميادين الاقتصادية وخاصة في أوساط اولئك الذين يميلون الى ايديولوجية السوق الحرة، وأنا أسمع بين الحين والآخر عن أشخاص يقولون إن جنوب أوروبا أسوأ من الوجهة الاقتصادية من شمال أوروبا لأن لدى الجنوب أخلاق وآداب عمل أضعف، ويزعم آخرون أن الرعاية تدفع الناس الى الكسل كما أن البعض من النظريات الاقتصادية تمضي الى حد اعتبار العطلات الطويلة السبب وراء الركود وهي خفض مفاجئ في الرغبة في العمل.

وفي مناظرة جرت أخيراً على "بلومبرغ فيو" أشار زميلي تايلر كاون الى أن مستويات التوظيف الأدنى منذ الركود الكبير ربما نجمت عن رغبة المزيد من الناس في البقاء في البيت وممارسة ألعاب الفيديو.

اختلاط الفرضيات

وعندما يتعلق الأمر بالحصول على عمل يكون الدليل على هذا الجهد فرضية مختلطة، وتظهر معظم الدراسات أن خلق برامج تحويل النقد لا يتسبب في تثبيط العمل فيما يوجد دليل على أن اصلاح الرعاية في الولايات المتحدة الأميركية في تسعينيات القرن الماضي أرغم بعض الناس على العودة الى العمل.

ولكن عندما يتعلق الأمر بريادة الأعمال يوجد عامل آخر قد ينطوي على قدر أكبر من الأهمية بنسبة تفوق الجهد، وهو المجازفة والاستعداد للخطر.

وبالنسبة الى أحد رواد الأعمال فإن الاختيار لا يكون في العادة بين الشروع في عمل ما وبين ممارسة ألعاب الفيديو، بل بين بدء عمل والعمل لدى شخص آخر، والفارق في الجهد بين هذين المسارين قد لا يكون كبيراً، ولكن ريادة الأعمال تنطوي على قدر من الخطر والمجازفة أكبر كثيراً من الحصول على عمل، وبصورة عامة فإنك قد تشهد فشل شركتك بقدر يفوق احتمال طردك من وظيفتك.

وتقول نظرية المجازفة في ريادة الأعمال إن الناس الذين يواجهون الكثير من الخطر قد لا يرغبون في التعرض الى المزيد منه. ويرجع ذلك الى أن معظم الناس يسعون الى تفادي الخطر إذا كانوا عرضة للتهديد بفقدان وظائفهم أو يدفعون فواتير معالجة طبية ضخمة، ولذلك فإنهم يصبحون أقل رغبة في المقامرة بكل ما وفروه من أموال بغية تأسيس شركة.

وهكذا إذا صدقت نظرية المجازفة فإن شبكة أمان أكثر قوة يجب أن تفضي الى مزيد من الأنشطة في ريادة الأعمال وليس العكس، وأياً كانت التأثيرات السلبية للمساعدات العامة على الجهد فإنها سوف تختفي عبر خوض مزيد من المجازفة.

ويبدو أن هذا هو ما يشير اليه الدليل، وقد أظهرت دراسة أجريت في عام 2004 أن قسائم الطعام تدفع الناس بقدر أكبر الى تأسيس شركة، كما أظهرت دراسة اخرى في سنة 2012 أن تقديم كمية أكبر من معونات البطالة تجعل الناس أيضاً أكثر رغبة في تأسيس شركات.

ولدينا الآن المزيد من الأدلة، فقد قام الاقتصاديون جوشوا غوتيب وريتشارد تاونسند وتنغ زيو بدراسة تأثيرات اجازة الأمومة على العمل في كندا، وتبين لهم أن الأمهات اللواتي كان لديهن خيار العودة الى أعمالهن بعد انتهاء اجازة الأمومة كن أكثر احتمالاً لتأسيس شركة، كما أن خفض الخطر الناجم عن هذا الخيار جعل رواد الأعمال أكثر رغبة في خوض المغامرة، وهذا نقيض ما يتوقعه النموذج القائم على الجهد.

وهكذا تتراكم المعلومات، وعلى الهامش فإن خوض غمار المجازفة أكثر أهمية من الجهد بالنسبة الى تقرير من سيؤسس عملاً ما، ومع هبوط معدلات ريادة الأعمال في الولايات المتحدة فإن هذا ينطوي على مضاعفات كبيرة بالنسبة الى السياسة، ويتعين على الحكومة التركيز على ايجاد طرق من أجل الحد من المجازفة الشخصية، وربما يشمل ذلك دفع الفرد الواحد لنفقات الرعاية الصحية وتوسيع اجازات الأمومة والبرامج الاخرى الخاصة بشبكة الأمان، كما قد يشمل دفع العائلات الى خفض الديون، ولكن بغض النظر عن الحلول فإن جعل الاقتصاد أكثر تنافسية ربما يفضي الى التأثير على هدف تحسين ديناميكية العمل التجاري.

* Noah Smith