مؤسسات صغيرة ناشئة تتصدى لاحتكارات التعلم عن بعد
جامعة مجانية تستقطب 6000 طالب من 180 دولة
تسيطر المقررات التدريسية المقدمة عبر شبكة الإنترنت وهي مقررات يوفرها منتجون كبار، يهيمنون على سوق التعلم عن بعد، مثل كورسيرا Coursera التي يبلغ عدد طلبتها 22 مليونا، وادكس edX التي تخدم نحو 9.3 ملايين من الراغبين في التعلم. ولكن مؤسسات تعليم عن بعد صغيرة الحجم قد بدأت بالانتشار في هذا السوق لملء الفراغ وخدمة الراغبين في التعلم بخصوصية أكبر.وكما هو حال المواجهات بين الباعة الصغار والكبار في أي سوق من الأسواق تضطر هذه المؤسسات الجديدة للتعليم عن بعد الى المنافسة في التكلفة والملاءمة، وهي ترسم لنفسها طريقا يميزها عن الكبار في سوق متنامية.وتقدم جامعة الشعب the University of the People التي تتخذ من باسادينا بولاية كاليفورنيا مقراً لها تقدم نفسها كجامعة مجانية عبر الشبكة الالكترونية وهي تشق طريقها في عالم التعليم عن بعد. وتصل خدمات هذه المنصة الجامعية في الوقت الراهن الى نحو 180 دولة وهي تعرض شهادات معتمدة، وتعمل على تمييز نفسها عن الجامعات التقليدية.
يقول رئيس جامعة الشعب شي ريشف: "أنا أقدر جهود الشركات الكبرى في مجال التعليم عن بعد، وأثق أن نشر المعرفة في شتى أنحاء المعمورة يشكل استخداماً رائعاً لشبكات الانترنت، ولكننا نختلف كثيراً عن الكبار".ويشدد ريشف على أن "الشعب" جامعة فعلية بما يعني أن على الطالب أن يتقدم بطلب التحاق بالجامعة، وأن يخضع لشروط القبول وأن يتبع المناهج المقررة، وأن يحصل على حد أدنى من الدرجات لكي يجتاز المتطلبات. وعبر هذه العملية يحصل الطلاب في نهاية المطاف على شهادات جامعية في ادارة الأعمال أو علوم الحاسوب أو الصحة أو ماجستير في ادارة الأعمال.وربما أن اللافت بقدر أكبر في جامعة الشعب كون كل فصل دراسي يضم 20 الى 30 طالباً فقط، ويعزز هذا الحجم الصغير تفاعل الطالب كما يوفر شبكة من الدعم الشخصي، وكلاهما مهم ونادر في المناهج التي تعرضها المؤسسات الكبرى أون لاين. وفي حقيقة الأمر يرى ريشف أن اشتمال منصته التعليمية على هذا الميزة يجعلها مختلفة عن أساليب التعليم الجماعي التي تتبعها تلك المؤسسات، ويضيف أن "الكبار لا يمكنهم المحافظة الا على نحو 5 في المئة من طلبتهم بينما لدينا القدرة على الاحتفاظ بنحو 95 في المئة".إن هناك حقيقة واضحة وجلية يمكن اكتشافها من خلال نمو حجم جامعة الشعب بأكثر من 500 في المئة في آسيا منذ سنة 2014، وتشكل باكستان والهند واندونيسيا والفلبين والصين أقوى الأسواق نموا في هذا السياق. وعلى الرغم من أهمية معدل النمو الا أن جامعة الشعب تخدم في الوقت الراهن 6000 طالب فقط منهم 902 في آسيا، وهو ما يجعلها مماثلة لمتجر صغير يعمل الى جانب شركات متعددة الجنسية. وبغض النظر عن ذلك فإن هذه المنصة تعيد ترسيخ مزايا التعليم في قاعات درس صغيرة، بينما تخدم في الوقت ذاته شريحة واسعة من الجسم الطلابي العالمي.
توافر الفرص
تقول تام لي، وهي أم في الرابعة والثلاثين من العمر مقيمة في المنزل في مدينة دانانغ الفيتنامية: "لم أكن أظن أنني سوف أحصل على أي فرصة للدراسة في جامعة فيتنامية". ولكنها الآن طالبة تدرس عن بعد في جامعة الشعب من أجل الحصول على شهادة البكالوريوس في ادارة الأعمال. وفي حديث معها عبر سكايب بينما كان ابنها الذي يبلغ السادسة من العمر في الخلف، قالت تام لي: "إن جامعتنا المحلية متشددة في امتحانات القبول. وبالنسبة الى انسانة مثلي انقطعت عن الدراسة لعشر سنوات كان من المستحيل لي العودة الى دائرة المعرفة عبر اختبارات تلك الجامعة".وبسبب دراستها الحالية وخبرتها تقول انها تخطط الآن للشروع في أعمال خاصة بها، وتشعر أن المردود الأكبر من تعلمها يتمثل في زيادة ثقتها بنفسها. وتضيف: "منذ أن تزوجت بقيت في المنزل مثل أم متفرغة ولكن عندما درست عن بعد شعرت أن بوسعي عمل أي شيء وأن أنجز ما كنت أريده دائماً".والتحق في نغوين هونغ، 27 عاماً، بجامعة الشعب أيضاً، وهو يعيش في مدينة هو شي منه في فيتنام ويعبر عن مشاعر مماثلة فيما يتعلق بعودته الى التعلم، ويقول: "تركت الدراسة في الجامعة وأدركت أن من الصعب تماماً البدء من جديد في جامعة تقليدية هنا". ويقول إن المنهاج المضلل والأسلوب المكرر في جامعته كان حافزاً وراء تركه الدراسة في المسار التقليدي، ويضيف: "لا توجد في جامعتي المحلية تخصصات يمكن تطبيقها في العمل". ويضيف أنه لمس ذلك بصورة مباشرة في عام 2009 عندما أنشأت انتل معملها الرئيسي في مدينة هو شي منه، وجهدت للعثور على موظفين من نوعية جيدة.وتتردد وجهة نظر هونغ ازاء كون التعليم التقليدي مضللا في أغلب الأحيان في أوساط الآخرين أيضاً. وتقول فام ثي لي من جامعة فيتنام الوطنية في مدينة هو شي منه في معرض حديثها عن تلبية التعليم للنمو التقني "توجد مشاريع في الخارج تقول إن تصحيح الأخطاء التي تعلمها الطلبة يحتاج الى سنتين ثم يحتاجون الى عامين آخرين من أجل تعلم المهارات التي يحتاجون اليها حقا"، بحسب مقال نشر حديثاً على فيتنام نت.تكلفة الرسوم المتدنية
وفيما تعتبر رسوم الدراسة في جامعة الشعب مجانية الا أن على الطالب دفع 100 دولار مقابل كل اختبار. ويصل اجمالي تكلفة الحصول على درجة الدبلوم الى 2000 دولار وعلى درجة البكالوريوس الى 4000 دولار. وعلى الرغم من التوافر الواسع للمنح الدراسية في الماضي فإن أحد عوائق النمو الحديث في جامعة الشعب كان نقص العدد الكافي من المنح.ويقول ريشف: "لدينا الآن البعض من الطلاب في الدول النامية الذين يتم قبولهم ولكنهم لا يستطيعون دفع رسوم الامتحان، وليس لدينا منح دراسية لهم، ولذلك نطلب منهم الانتظار حتى تتوافر هذه المنح ونشعر باستياء لذلك لأنه يفترض عدم استبعاد أي أحد".سوف يكشف الزمن ما إذا كانت جامعة الشعب قادرة على البقاء والاستمرار في مواجهة منصات تعليم أكبر وأقوى مالياً. وجامعة الشعب ليست حتى الآن مستقلة مالياً، وهي تتطلب منحاً خارجية ومصادر تمويل كي تتمكن من الاستمرار في عملياتها. وبغض النظر عن امكانياتها المتواضعة وضعف هوامش أرباحها الا أنها تكشف جوانب القصور التي تعانيها برامج الكبار.