هل نحن فعلاً أحرار بما تعنيه الكلمة؟ نفعل ما يحلو لنا مادام لا يخالف القانون، أم أننا مثقلون بتوقعات المجتمع وتصوراته عنا؟خياراتنا الفردية- وإن لم يجرمها القانون- ودائرة الأعراف والتقاليد تحدد ما إن كانت تلك الخيارات مقبولة اجتماعياً أم لا، وتختلف تلك الدائرة في ضيقها واتساعها وفقاً للبيئة والمجتمع الذي يحكمها، فكلما كانت الدولة أكثر تمدناً ازدادت فيها حرية الفرد واحترام خصوصيته. المضحك في الأمر أن الكثير من الأشخاص لا يرى حرجاً في اختراق القوانين المدنية، ولكنه يحرص أشد الحرص كي يكون «مقبولاً» اجتماعياً، أو بالمعنى الدارج «خوش ولد»!
جميعنا تقريباً يتعرض للشراط الاجتماعي منذ الطفولة، وفي المراهقة نبدأ بإدراك أن أي زي مختلف أو قصة شعر مميزة قد تجعلان منا عرضة لسخرية واستهزاء الآخرين، أو اهتمامهم وتقدير الأتراب «أنت وحظك»! لكن المثير للاهتمام فعلاً هو أن التفكير بشكل مختلف كفيل بأن يضعك تحت تصنيف «غريبي الأطوار»، وعزاؤك الوحيد هو الانضمام إلى مجتمع فرعي من الأشخاص الذين يفكرون بشكل مستقل ويتقبلون الآخر، أو العيش في نوع من العزلة والوحشة على الرغم من كثرة المحيطين بك. أما الحل الأخير فهو قمع «غرابتك» على أنها أوهام وتبني الفكر الشعبي الجماعي على حساب تفردك، فللتفرد ثمن غالٍ، لذا فإن الكثير يختار الطريق الأسهل.توقعات المجتمع كثيرة، ويصعب إرضاؤها، فمن منا لم يواجه ضغوطا لاختيار تخصص معين في الدراسة؟ والتدخلات الكثيرة في الطريق الوظيفي، بل حتى في اختيار شريك الحياة، من ومتى! وبعدها يستمر الضغط ولا يتوقف عند ذلك، فالتطفل يطول حتى موضوع إنجاب الأطفال وعددهم! وبالنسبة إلى النساء فإن الضغوط الاجتماعية كثيرة ومتنوعة، فعدم امتلاك المرأة حقيبة أو حذاء «ماركة» كفيل بأن يخرجها من دائرة قبول وإعجاب المجتمع النسائي، وتستمر القائمة إلى ما ليس له نهاية!من هنا نستنتج أن الضغط الاجتماعي يستمر من المهد إلى اللحد!! لاحظ أن كل تلك المواضيع شخصية جداً في طبيعتها، وجميعها خيارات فردية لا تضر أحداً... فلماذا «اللقافة»؟! قد تكون النية طيبة من وراء تلك الأسئلة والنصائح، ولكن إلى أي حد نسمح لأنفسنا بالتدخل في شؤون الآخرين واتخاذ قراراتهم الحياتية بالنيابة عنهم؟ وإلى متى سنهاجم المختلف حتى إن كان سلمياً؟أما السؤال الأهم فهو: إلى أي مدى سنقتص شيئاً فشيئاً من حرياتنا المدنية المكفولة في سبيل إرضاء الآخرين؟
مقالات - اضافات
«الحشرية»
05-11-2016