قالت وزارة البترول المصرية في بيان مساء أمس الأول، إن مصر قررت رفع أسعار الوقود بداية من أمس الجمعة الرابع من نوفمبر، وذلك بعد ساعات من إعلان البنك المركزي تعويم الجنيه.

ودخلت الأسعار الجديدة حيز التطبيق اعتبارا من منتصف الليل (الساعة 2200 بتوقيت غرينتش).

Ad

وتأتي هذه الخطوة في إطار إجراءات التقشف التي تتبناها مصر بهدف التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.

وقررت مصر رفع سعر البنزين 80 أوكتين إلى 2.35 جنيه (حوالي 15 سنتا أميركيا) للتر من 1.6 جنيه بزيادة نحو 46.8 في المئة وسعر البنزين 92 أوكتين إلى 3.5 جنيه للتر من 2.6 جنيه بزيادة 34.6 في المئة.

وسيرتفع سعر السولار إلى 2.35 جنيه للتر من 1.8 جنيه بزيادة 30.5 في المئة، بينما سيرتفع سعر غاز السيارات 45.5 في المئة إلى 1.6 جنيه للمتر المكعب من 1.1 جنيه.

وكانت مصر رفعت أسعار الوقود بنسبة وصلت إلى 78 في المئة في عام 2014 لتخفيف الضغط عن العجز المتزايد في الموازنة.

ويلتهم دعم الأغذية والطاقة عادة ربع الإنفاق الحكومي في مصر. وتعمل الحكومة على خفض الدعم أملا في إنعاش الاقتصاد الذي تضرر جراء سنوات من الاضطرابات التي أعقبت انتفاضة 2011.

وأظهر بيان الوزارة أن سعر اسطوانة غاز الطهي سيرتفع إلى 15 جنيها من 8 جنيهات.

كما ستزيد أسعار المازوت للصناعات الغذائية إلى 1500 جنيه للطن من 1400 جنيه ولمصانع الأسمنت إلى 2500 جنيه للطن من 2250 جنيها ولباقي القطاعات إلى 2100 جنيه للطن من 1950 جنيها.

وأحجمت حكومات متعاقبة عن خفض دعم الوقود خشية إثارة احتجاجات شعبية في بلد اعتاد مواطنوه على الوقود الرخيص.

وقال وزير التموين المصري امس، إنه لا قيود أمام القطاع الخاص لاستيراد السلع التموينية، ولا جمارك على السكر الأبيض المستورد.

جاءت تصريحات الوزير محمد علي الشيخ خلال مؤتمر صحافي بمجلس الوزراء بعد أن حرر البنك المركزي أمس الأول سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس في خطوات تهدف إلى استعادة التوازن بأسواق العملة.

وأضاف الشيخ أن مصر ألغت "الجمارك عن السكر الأبيض المستورد بعد إحجام القطاع الخاص عن الاستيراد".

وشهدت مصر في الأسابيع القليلة الماضية أزمة سكر عزتها الحكومة لتوقف القطاع الخاص عن الاستيراد.

وقال وزير المالية عمرو الجارحي في المؤتمر، إن فاتورة دعم السلع التموينية ستزيد إلى 49 مليار جنيه في السنة المالية الحالية بعد قرار "زيادة الدعم من 18 إلى 21 جنيها للفرد‭"‬‭ ‬بداية من الشهر المقبل.

وتدعم مصر نحو 71 مليون مواطن من خلال 21 مليون بطاقة تموين. وتخصص الحكومة 18 جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية لشراء ما يحتاج إليه من سلع.

وفي الموسم الماضي الذي انتهى في يونيو، قالت الحكومة إنها اشترت كمية قياسية مرتفعة من القمح بلغت 5.3 ملايين طن مقارنة مع 3.7 ملايين طن في 2014.

وقال الشيخ، إنه ستجري زيادة سعر توريد أرز الشعير من المزارعين من 2300-2400 إلى ثلاثة آلاف جنيه للطن.

كان السعر السابق أدى إلى عزوف المزارعين عن بيع المحصول إلى الحكومة مما أدى إلى تراكم المخزونات لديهم وشح المعروض في السوق.

وقالت غادة والي وزيرة التضامن في المؤتمر الصحافي، إن مصر عملت على حماية الفقراء وتجنب "الآثار السلبية للاصلاح" من خلال زيادة "قيمة المعاشات 15 مليار جنيه ورفع أعداد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة إلى 1.7 مليون أسرة".

وزيادة قيمة الدعم على بطاقات التموين والتوسع في "برنامج تكافل وكرامة" الذي يقدم دعما نقديا شهريا للأسر الأشد فقرا في مصر أولى خطوات الحكومة في برامج الرعاية الاجتماعية لحماية محدودي الدخل.

وقال طارق الملا وزير البترول في المؤتمر، إن الوفر المتوقع من تحريك أسعار الوقود 22 مليار جنيه.

لكن الجارحي أكد أن رفع أسعار المواد البترولية لن يخفض عجز الموازنة المستهدف تقليصه إلى عشرة في المئة من 12 في المئة، كما أنه لن يخفض حجم الإنفاق على الدعم حسبما ذكر.

لماذا عوّمت مصر الجنيه؟

سيطرت قرارات تعويم الجنيه المصري، وتحرير سعر الصرف، على حديث الشارع المصري، وامتد الأمر إلى الأوساط العربية والدولية، بعد ترحيب مؤسسات دولية بالقرار، خاصة صندوق النقد الدولي، الذي أعلن سريعا أنها خطوة محل ترحيب.

لكن مصادر رسمية مطلعة، كشفت لـ"العربية.نت"، أن هناك 10 أهداف تسعى مصر لتحقيقها من خلال قرارات تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه، تبدأ بخفض عجز الموازنة والدين العام، حيث سجلت نسبة العجز في الحساب الختامي لموازنة 2015-2016 نحو 12.2 في المئة، مقارنة بـ11.5 في المئة في السنة المالية السابقة، كما تستهدف أيضا خفض الدين العام الذي ارتفع بنسب كبيرة خلال الفترات الماضية.

وقالت المصادر ان الهدف الثاني هو استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي، وتنفيذ أحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي، حتى يتسنى للحكومة الحصول على ثقة الصندوق وموافقته على القرض الذي أعلن أخيرا بقيمة 12 مليار دولار.

خفض الواردات

واضافت ان الهدف الثالث يتركز في خفض الواردات، ووقف الاستيراد العشوائي، حيث تشير الأرقام والبيانات المتاحة إلى أن فاتورة الاستيراد بمصر تتراوح بين 70 و80 مليار دولار سنويا، ما يضغط على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.

أما الهدف الرابع فيتمثل في زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، خاصة أنه لا يمكن عودة الاستثمارات الأجنبية في ظل وجود سعرين للدولار في السوق، ووصول الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء إلى أكثر من 100 في المئة خلال الأيام الماضية.

كما تسعى الحكومة إلى تحقيق التوازن المطلوب بين الإجراءات الترشيدية والاحتواء الكامل لآثارها على محدودي الدخل، من خلال زيادة حصيلتها الدولارية، وتمكنها من توفير الدعم لمحدودي الدخل فقط، وربما يتبع إجراء تحرير سعر الصرف إجراء آخر يتمثل في التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي لمحدودي الدخل.

ويتمثل الهدف السادس في تمكين البنك المركزي من الالتزام بتوفير الدولار لسد الفجوات الاستيرادية في السلع الأساسية والاستراتيجية، خاصة أنه مع قرار رفع الفائدة على السندات والشهادات الدولارية ارتفعت حصيلة البنوك المصرية في الساعات الأولى من صدور قرارات التعويم بنحو 8 أضعاف، وفقا لما أعلنه رؤساء أكبر بنوك في مصر.

القضاء على «الدولرة»

أما الهدف السابع فهو القضاء على ظاهرة الدولرة والمضاربة على الدولار في السوق السوداء، التي يوجد بها أكثر من 40 مليار دولار، وفقا لتقديرات غير رسمية، بينما لا تمتلك خزانة البنك المركزي سوى 19.5 مليارا.

وربما كان القلق والحذر والتخبط الذي يسيطر على سوق الصرف بمصر هو الهدف الثامن، حيث من المتوقع أن تسهم القرارات الجديدة في كشف حجم العرض والطلب الحقيقيين على الدولار، بعكس الصورة الوهمية التي يحاول تجار العملة والمضاربون على الدولار تصديرها للتمكن من رفع سعر صرف الدولار الذي لامس مستويات 18.5 جنيها خلال الأيام الماضية، بسبب المضاربات العنيفة، وليس بسبب الطلب الحقيقي على الدولار.

ويتمثل الهدف التاسع في استهداف معدلات التضخم التي لامست مستويات صعبة خلال الأيام الماضية، وكان من المتوقع ومع عدم تدخل البنك المركزي المصري أن تسجل مستويات جديدة لتصبح حقيقة يصعب التعامل معها على المدى القصير، لكن من المتوقع وعقب استيعاب السوق صدمة تحرير العملة أن تبدأ الأسعار في العودة إلى معدلاتها الطبيعية، بما ينعكس إيجابا على معدلات التضخم التي سوف تهبط على المدى المتوسط والبعيد.

ويتمثل الهدف العاشر الأخير في تحريك المياه بالبورصة التي شهدت خروج جزء كبير من السيولة خلال الفترات الماضية للمضاربة على الدولار، ما انعكس سلبيا على أحجام وقيم التداول وهروب المستثمرين العرب والأجانب من السوق المصري، خاصة أنها شهدت حالة من عدم الاستقرار والخسائر الحادة طوال الفترات الماضية.