ليلة طارد فيها المصريون آخر قطرات الوقود «المدعم»
بعد يوم عاصف ومرهق في العمل، لم يكد عبدالله مصطفى، الذي يعمل في فرع بوسط القاهرة لبنك حكومي مصري يصل إلى منزله، نحو العاشرة مساء أمس الأول، حتى وجد نفسه مضطرا لمغادرته من جديد، قبل أن يتناول وجبة العشاء، ليبدأ معاناة أخرى في البحث عن آخر ما تبقى من البنزين المدعوم، بعدما تأكد نبأ إعلان الحكومة المصرية زيادة سعر الوقود بدءا من منتصف الليل.قبل وصول مصطفى (28 عاما) إلى عمله صباح أمس الأول، كان قرار تحرير سعر صرف العملة الذي أصدره البنك المركزي في انتظاره، ولم تنته مفاجآت اليوم، فبينما كان يشق الشاب المرهق طريقه بصعوبة وسط زحام القاهرة ليصل إلى حي الهرم بمحافظة الجيزة، حيث يسكن مع عائلته، كان مسؤولون حكوميون على الجانب الآخر من النيل يمررون أخبارا ويجهزون قرارات رفع الدعم عن الوقود.
أوقف مصطفى محرك سيارته أمام منزله، وفور دخوله بيته في العاشرة والنصف مساءً، كان هاتفه يعلو بالرنين باتصال من صديق جاء صوته لاهثا ومتسائلا عما إذا كان خزان سيارته به ما يكفي من الوقود، فكان رده: "السيارة شبه فارغة، لكنني سأعيد تعبئتها غدا في يوم إجازتي"، لكن الخبر الذي نقله له صديقه بزيادة الأسعار بعد ساعة، كان كفيلا بتحرك سريع لمصطفى، لمحاولة اللحاق بمحطة بنزين، لتعبئة سيارته بالأسعار القديمة، ما يوفر له نحو 50 جنيها مصريا (نحو 3.5 دولارات).عجلات سيارة مصطفى كانت في سباق مع الزمن، وفور وصوله إلى شارع الهرم الرئيسي، فوجئ بزحام غير طبيعي، واكتشف أن غالبية أصحاب السيارات تلقوا خبر الزيادة، وقرروا اللحاق بآخر فرصة قبل تغيير الأسعار، مرَّ مصطفى - الذي يصنف وفق دخله ضمن أصحاب الدخول المتوسطة- بثلاث محطات وقود على جانبي الطريق، ووجدها تضع حواجز أمام مدخلها، وأبلغ العاملون فيها الجميع بأنه لا يوجد لديهم مخزون، فيما يتهمهم أصحاب السيارات بالكذب والاستغلال وتخزين الوقود لبيعه بالأسعار الجديدة، ما فجر المشاحنات بين الطرفين.وبينما نجح مصطفى في تعبئة سيارته بالوقود بالأسعار القديمة، لم يحالف الحظ الجميع، فالشارع المصري أصيب بحالة من الهياج من قبل أصحاب السيارات، الذين تكدسوا أمام محطات الوقود، أملا في الحصول عليه بسعره المدعم قبل سريان قرار زيادة الأسعار بنحو 50 في المئة، لكن أغلبهم عادوا بخفي حنين، وهم ينتقدون الحكومة التي "صبّحت علينا بتعويم الجنيه، ومسّت برفع أسعار البنزين"، كما قال أحدهم يائسا.