«مسرح المدينة» في قلب بيروت النابض في عيده العشرين

امرأة مشغوفة بالمسرح، مسيرتها فعل عشق للخشبة لم ينضب يوماً بل زادته السنوات اشتعالاً. قبل الحرب التي عصفت بلبنان على مدى أكثر من 15 سنة، وقفت نضال الأشقر على المسارح في دنيا الشرق والغرب مثلت وأخرجت، فشكّلت علامة مضيئة في سماء المسرح اللبناني المعاصر الذي قام على كتفيها وأكتاف الرواد من بينهم منير أبو دبس وريمون جبارة. ومع انتهاء الحرب في تسعينيات القرن الماضي، أرادت نضال الأشقر أن تعيد المسرح إلى قلب الحياة البيروتية، فأسست «مسرح المدينة»، ورعته كما ترعى أولادها وساندته في الأوقات العصيبة، وكاد يغلق أبوابه، أكثر من مرة، بسبب الأزمات المالية التي عصفت به، فتبادر نضال الأشقر إلى إنقاذه، ما أمن له استمرارية بلغت هذا العام 20 سنة.

خيار أوّل

لم تعتلِ نضال الأشقر خشبة المسرح في السنوات الأخيرة ولم تخرج مسرحيات كثيرة، لكن تأسيس «مسرح المدينة» في قلب العاصمة اللبنانية كان خيارها الأول، ومن خلاله أعطت وقتها وطاقتها وجزءاً من حياتها لهذه المدينة ولهذا الوطن ولهذا الفن الذي تفتخر به. اليوم أغلقت مسارح كثيرة أبوابها في بيروت آخرها «مسرح بابل» الذي أسسه المسرحي العراقي جواد الأسدي، باستثناء «مسرح المدينة» الذي يبقى مشرعاً أبوابه، بالتالي يستأهل أن تكرس له نضال الأشقر نفسها باعتباره صِنوَ مسيرتها الفنية التي تتنوع بين التمثيل والكتابة المسرحية والإخراج... فانطبعت في الذاكرة وسمحت للمسرح بأن يتماسك.

إرث مسرحي

خلال 40 سنة، تابع الناس نضال الأشقر في أعمالها، بعضهم أحبّ مسرحياتها وبعضهم الآخر انتقدها. لكل شخص الحرية في إبداء رأيه، لكن الجميع استمر يتابعها، فأضحت جزءاً من الإرث المسرحي.

شكّل الاحتفال بمرور عشرين عاماً على تأسيس مسرح المدينة تكريماً للممثلين والفنانين وكل الناس المتجذّرين في بيروت. ولإعطاء صورة عما أنجز في مسرح المدينة خلال عشرين عاماً، جمعت نضال الأشقر الفنانين اللبنانيين الذين قدموا أعمالاً على خشبته، بعدما اتصلت بهم واحداً واحداً، وكثر منهم خطوا خطواتهم الفنية الأولى من على خشبته، من أمثال جاهدة وهبة، وريما خشيش، وعبد الكريم الشعار، وندى بو فرحات... هؤلاء وغيرهم جعلوا من بيروت «أرض مسرح» بامتياز.

حرصت نضال الأشقر على التنوع في العروض، بين المسرح الكلاسيكي المعاصر والحفلات الغنائية، مفتتحة الاحتفالات بمسرحية «الملك يموت» ليوجين يونسكو ترجمة واقتباس وإخراج فؤاد نعيم، ومن أبرز المسرحيات التي عرضت ونالت الاستحسان: «مأساتي» لعصام بو خالد تتمحور حول دمية تتصارع في داخلها الهواجس، «بيروت غيابياً» لروجيه عساف يستعيد فيها مشاهد من بيروت وفق نصوص لأنسي الحاج ونزيه خاطر مع صوت دالين جبور، geographia: The Synapse للمخرج ناجي صوراتي، «بانتظار العرض» للينا خوري، «أخت الرجال» لجاك مارون التي اقتبسها غابريال يمين عن نص للكاتبة الأميركية إيلاين ماي، «كيفك يا ليلى» عرض مونودرامي لميشال جبر تشارك فيه نيللي معلوف فتجسد شخصية ممثلة تضطر إلى الابتعاد عن مهنتها بسبب الحمل، وعندما تعود إلى المسرح تجسد دور مدمنة ما يوقعها في مأساة تختلط فيها الدراما والمشاعر الحقيقية، «الصوت البشري» للينا أبيض حول الخسارة والفقدان في حياة امرأة بالاستناد إلى نص للشاعر الفرنسي جان كوكتو، وتشارك في جزء من العرض السوبرانو غادة غانم فتغني معاناة هذه المرأة البائسة، «حوار الكلاب» للمخرجة سحر عساف يتحاور فيها كلبان على الخشبة، وهي مقتبسة من سلسلة Nouvelles exemplaires لميغيل سرفنتس، في ذكرى مرور 400 سنة على وفاة الأديب الإسباني، «يا قمر ضوي عالناس» لكريم دكروب، «عين الشيطان» مسرحية غنائية لهشام جابر الباحث دوماً عن وجه جديد في أغنيات سيد درويش. فضلاً عن لقاء مع «فرقة زقاق» وفيه يدير ثلاثة ممثلين من الفرقة بعضهم بعضاً مستندين إلى نصوص شكسبير حول السلطة.

أما زينة دكاش فقدمت فيلمها السينمائي «جوهر في مهب الريح»، وهو رحلة في عالم السجناء، أحيا شخصياته السجناء أنفسهم. أيضاً عرض فيلم «ما تبقى لنا» لجاد أبي خليل.