أثار ترشح الشيخ مالك الحمود الصباح للانتخابات البرلمانية علامة استفهام كبيرة حول حق أفراد الأسرة الحاكمة في ترشيح أنفسهم لعضوية مجلس الأمة، في ضوء ما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور من أن: "تعيين أعضاء الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم نظرا لما هو معروف من عدم جواز ترشيح أنفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة، ونأيا بالأسرة الحاكمة عن التجريم السياسي، التي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية".وبعيدا عن التحليلات السياسية وحساباتها في هذا الرأي، ومن منظور دستوري وقانوني لا أملك سوى أدواته، فإن حرمان أبناء الأسرة الحاكمة من حق الترشح للانتخابات ينطوى على مخالفة لمبدأ الاقتراع العام المنصوص عليه في المادة (80) من الدستور، وإهدار الحريات العامة التي كفلها الدستور في المادتين 36 و37، وإخلال في مبدأ المساواة المنصوص عليه في المواد 7 و8 و29 من الدستور، وهو ما سنتناوله في هذا المقال قبل بيان مقاصد المذكرة التفسيرية للدستور، والقوة الملزمة لها... حدودها وإطارها.
أولا- شبهة الحرمان من حق الاقتراع العام
تنص المادة 82 من الدستور على أنه: "يشترط في عضو مجلس الأمة أن تتوافر فيه شروط الناخب"، وتنص المادة 80 من الدستور على أن: "يتألف مجلس الأمة من خمسين عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب".وبذلك أكد الدستور الربط لزوما وبطريقة حتمية بين حق الانتخاب والترشح، ومن هنا فإن حرمان فئة ما من حق الترشح للانتخابات، بالرغم من استيفائها باقي شروط عضوية مجلس الأمة المنصوص عليها في المادة (82)، ينطوي على شبهة حرمانهم من حق الاقتراع العام، الذي كفله الدستور للجميع في المادة (80) من الدستور.وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن حق الاقتراع والترشح هما محور السيادة الشعبية وقاعدة بنيانها فلا يجوز إنكار أصل وجودهما أو تقييد آثارهما بما يحول دون مباشرتهما على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا بممارستهما أو الانتفاع بهما (جلسة 3/ 2/ 1996 القضية رقم 16 قضائية دستورية).وهي المبادئ التي أرستها كذلك المحكمة الدستورية في الكويت في حكمها الصادر بتاريخ 16 من يوليو 2008، الذي قضت فيه بأن الترشح حق أصيل، شأنه شأن باقي الحقوق السياسية، وهو من الحقوق التي لا تقبل بطبيعتها القيود إلا ما كان هادفا للمصلحة العامة ومحققا لأغراضها.الأمر الذي يجعل من أي قيود على أي من الحقين الانتخاب أو الترشح لمجلس الأمة بإقصاء أفراد من المجتمع من المشاركة في شؤون الحكم، نكوصا للنظام الديمقراطي على عقبيه، بما ينطوي على مخالفة لأحكام المادة (6) فضلا عن المادتين 80 و82 من الدستور.ثانيا- إهدار حرية الرأي وحق التعبير عنه
ذلك أن حق الاقتراع العام صورة من صور حرية الرأي وحق التعبير عنه، عند إدلاء المواطنين بأصواتهم في اختيار ممثليهم في مجلس الأمة، وهو الأكثر أثرا وخطرا في النظام الديمقراطي، فأي انتقاص منه هو عدوان على حرية الرأي وحق المواطنين في التعبير عن آرائهم في شؤون الحكم.كما أن حرمان البعض من هذا الحق يعني قمع حرية الرأي في اختيارهم لممثليهم بحرمانهم أصلا من حق الاختيار، ويمتد هذا القانون بأثره السلبي إلى سائر الناخبين بتقليص حريتهم في اختيار من يمثلهم، بإقصاء من قد يكونون أجدر بثقتهم.وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن حق الاقتراع صورة من صور التعبير عن الرأي، من خلال إدلاء الناخبين بأصواتهم التي يبلورون بها إرادة اختيار ممثليهم (جلسة 7/ 2/ 1998 القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية).وبذلك ينطوى حرمان أبناء الأسرة الحاكمة من حق الانتخاب أو حق الترشح لعضوية مجلس الأمة، على إهدار لحرية الرأي وحق التعبير عنه اللذين نصت عليهما المادتان 36 و37 من الدستور.ثالثاً – الإخلال بالمساواة بين المواطنين
وهي المساواة التي كفلتها المواد 7 و8 و29 من الدستور، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن حقي الاقتراع والترشح، يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا لممارستهما أو الانتفاع بهما. (القضية رقم 2 لسنة 16ق دستورية بجلسة 3 /2/ 1996 ج دستورية).كما قضت بأنه يفترض في أي نظام ديمقراطي للحكم أن يكون حق الاقتراع منضبطا، وفق قواعد محددة، يكون إعمالها منصفا وعادلا، فلا يباشره المواطنون مثقلا بقيود تؤثر في وزن أصواتهم، لتضعفها أو تفرقها (الحكم الصادر في الطعن رقم 77 لسنة 19 ق).كما قضت بأن مبدأ المساوة أمام القانون مؤداه ألا تخل السلطتان التشريعية والتنفيذية في مباشرتهما لاختصاصاتهما بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها. (القضية رقم (122) لسنة 22 قضائية دستورية).كما قضت بأن المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة لا يقتصر تطبيقها على صور التمييز التي من قضائها أنه إذا جاز للسلطة التشريعية- وفقاً لمقاييس منطقية- أن تغاير بين مراكز قانونية تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها، فإن الفوارق بينها يجب أن تكون حقيقية لا اصطناع فيها ولا تخيل عليها. (القضية رقم (47) لسنة 17 قضائية دستورية جلسة 4/ 1/ 1997).وأنه لا يجوز للقانون أن يقيم تمييزاً غير مبرر بين المواطنين تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل في عناصرها. (القضية رقم (81) لسنة 25 قضائية دستورية جلسة 13/ 2/ 2000).وانطلاقا من هذه المبادئ الدستورية يكون إقصاء أحد أفراد الأسرة الحاكمة من قائمة المرشحين لمجلس الأمة للفصل التشريعي القادم هو تمييز غير منطقي بين المواطنين الذين تتماثل مراكزهم القانونية في حق الاقتراع العام، وحق الترشح في الانتخابات البرلمانية التي تجرى في الكويت، في مجتمع الأسرة الواحدة الذي امتاز به الناس في هذا البلد، وهو ما استهلت به المذكرة الإيضاحية تفسيرها لنصوص الدستور عندما قررت وبالحرف الواحد: "ولقد تلاقت هذه الأضواء وتلك المعاني عند أصل جوهري في بناء العهد الجديد، قام بمنزلة العمود الفقري لهذا الدستور، وهو الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، فقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون بروح الأسرة تربط بينهم كافة، حكاماً ومحكومين".وللحديث بقية في مقالين قادمين نحاول فيهما الإجابة عن سؤالين: أولهما ما إذا كان هناك تناقض فيما أوردته المذكرة التفسيرية حول هذا الموضوع، أم أنه التبس على البعض فهم مقاصدها؟ ثانيهما: وهو سؤال يدور حول القوة الملزمة للمذكرة التفسيرية... إطارها وحدودها.