شكل تأجيل الانتخابات البلدية- الذي نأمل ألا يصبح إلغاء- في فلسطين صدمة للكثير من الطموحات بأن تشكل تلك الانتخابات مدخلا للانتخابات الأكبر التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، والتي تأخرت عن موعدها نحو خمسة أعوام.

وإذا كانت الديمقراطية أوسع وأكبر بكثير من مجرد إجراء الانتخابات وانتظام دوريتها، فإن من المستحيل الحديث عن الديمقراطية بدون انتخابات. وحيث إن 80% من الشعب الفلسطيني تحت عمر 33 عاما، وبما أن جيل الشباب بين عمري 17 و25 عاما يشكلون ثلث السكان، فمن الطبيعي أن تكون بداية تجربتهم في الممارسة الديمقراطية من خلال انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، ففيها يتعلم الطلاب أهمية الصوت الانتخابي، وكيف تؤثر نتائج قراراتهم أثناء التصويت في دراستهم وحياتهم الجامعية، ويتعلمون فن المناظرات الانتخابية وأساليب تجنيد التأييد لأفكارهم، وأهمية تبني أو تطوير رؤى وبرامج تميز اتجاهاتهم المختلفة. وليس مصادفة أن معظم القادة الفعالين بدؤوا مسيرتهم أثناء دراستهم الجامعية وتولوا أدوارا قيادية في الحركات الطلابية، غير أن ما يلفت النظر أنه في الوقت الذي تجري فيه الانتخابات بشكل دوري في معظم الجامعات، فإنها معطلة دون سبب واضح في جامعات أخرى سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية. إذ لم تجر أي انتخابات لمجالس الطلبة في بعض الجامعات منذ ثلاثة أعوام. أي أن جيلا كاملا من الطلاب قد ينهي أعوامه الجامعية الأربعة دون أن تتاح له الفرصة المشاركة في انتخابات واحدة. وتعاني إحدى الجامعات ورغم انتظام انتخابات مجلس طلبتها من مشكلة أخرى، حيث إن الانتخابات الأخيرة جرت فيها في السابع عشر من مايو (أيار) 2016، غير أن مجلس الطلبة لم يتشكل فيها حتى الآن، أي أن ستة أشهر قد مرت على الانتخابات ولم تترجم النتائج إلى تشكيل مجلس طلبة حسب نتائجها!!

Ad

ولا بد من التساؤل هنا كيف تدار شؤون الطلبة في الجامعات بدون مجالس منتخبة أو بدون تشكيل مجالس بعد الانتخابات، وما الدروس التي يتعلمها الطلبة إذا رأوا الممارسة الديمقراطية معطلة في جامعاتهم؟ التعليم الناجح في عصرنا لا يهدف إلى إغراق الطالب بالمعلومات، والنجاح فيه ليس مجرد اجتياز للامتحانات أو كتابة بعض البحوث.

التعليم الناجح في عصرنا يعني تعلم الطلاب والطالبات مناهج التفكير، والبحث والاستكشاف، وأساليب إيجاد حلول خلاقة للمشاكل، وتمكينهم بالممارسة الديمقراطية من إدراك دورهم في حياة وطنهم ومجتمعهم وإعدادهم بشكل بناء للقيام بدورهم، بما في ذلك إدراك مفهوم المساءلة وتطبيقه أمام الجمهور وأهمية كسب ثقته. وفي حالتنا الفلسطينية فإنه يعني إعدادهم للمساهمة بما يستطيعون في معركة شعبهم من أجل الحرية والاستقلال والعدالة ولتعزيز الصمود الوطني على أرض فلسطين. وهو يعني زرع قيم احترام الكفاءة واكتساب الثقة بالعمل الجاد والعطاء وليس انتهاز الفرص بالتملق أو الخداع.

ولذلك تشكل مجالس الطلبة والانتخابات الدورية فرصة حقيقية لهم لانخراط الطلبة والطالبات في التنمية السياسية والتطوير الخلاق لمعارفهم ومواهبهم، ولصقل شخصياتهم وتعزيز روح القيادة لديهم.

المطالبة بدور للشباب في الحياة السياسية والاجتماعية ليست شعارا يرفع ثم ينسى، ولا إكليشهات تستعمل من حين لآخر. إنها ممارسة وتطبيق فعلي يتصدى للمظاهر السلبية والفرص المعطلة والمؤجلة، ويحولها إلى ديمقراطية حقيقية، تمارس بالتطبيق العملي.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.