الواقع أن حدثاً كبيرا مثل افتتاح مركز جابر الأحمد الثقافي من بين أكبر الإنجازات المرتبطة بالثقافة التي لم نشهد لها نظيرا منذ أمد طويل، ويصح القول إن هذا الأمر يعود في جملة أسباب إلى جذر واحد أحاط بنا وتعذر علينا الفكاك منه، وأحدده هنا بالإخفاق.

وإذا كان النظر إلى واقعنا الراهن يكشف، من مختلف الزوايا، عن هذا الإخفاق الذي يفسر كل الأزمات التي تلتف حول عنق مجتمعنا، تلوح الثقافة كمخرج وحيد من هذا الترهل والتراجع الحضاري الذي يعتصرنا في كل لحظة.

Ad

وبغض النظر عن الأزمات المحيطة بنا، فإن هذا العهد في رهانه المحتمل على الثقافة يبشرنا بازدهار فكري وعلمي وفني، بما يتضمنه ذلك من فتح النوافذ والأبواب على مصراعيها لنقاش مكثف في الساحة العامة عن المجتمع والسياسة والقانون والأخلاق والتعليم والثقافة.

ولعلنا نتساءل عما يتطلبه ذلك التغيير وإن كان سيطول الأعماق؟ وأنا أذهب في هذا السياق إلى ضرورة النهوض على جملة مقدمات، من بينها الإيمان بالإنسانية والتفاؤل بإمكانات الفرد على تحقيق قدراته وطموحه، ووجود نخبة فكرية راقية التعليم والأخلاق، ونخبة سياسية مؤهلة ثقافيا وعلميا، وجامعات حديثة مزدهرة تطهر نفسها من الظلاميين والمحتالين، وتستقطب الأدمغة المتميزة، وتتيح لهم حرية التفكير والعمل دون ضغوط وتدخلات خارجية، وتستوعب الطلبة المتميزين الذين يقدرون تراث الإنسانية الثقافي، ولا ينظرون للتعليم بوصفه محض أداة، وكذلك صحافة على مستوى رفيع تسهم في نشر الوعي، وأخيرا وسائل تواصل جماهيري تحمل رسالة فكرية وثقافية تتيح للعامة الاطلاع على التراث الثقافي، وتؤدي دورا مهما في تثقيفهم ضمن النقاش الاجتماعي والسياسي العام.

تلك هي الضمانة الأولية لاختصار طريق الإصلاح المنشود الذي أهدرنا من أجله المال والزمن وكذلك الطريقة المثلى لأن نمد جذورنا في حضارة هذا العصر، والعناية بالثقافة ليست سوى فعل يتوخى نماء العدل والمعرفة.