"المجلس القادم عمره قصير ولن يكمل الأربع سنوات"... جملة يرددها حاليا وبشكل لافت الغالبية في الشارع الكويتي، ما يؤكد أن الجميع أصبح يقرأ المشهد السياسي حتى قبل أن يبدأ، وهي حالة استثنائية تثير الدهشة والاستغراب في آن واحد، خصوصا في ظل الأجواء التي تعيشها الكويت مع بدء السباق الانتخابي للفوز بالكرسي الأخضر.

المتابع للأحداث السياسية، التي مرت بها البلاد منذ فترة ليست قصيرة، يدرك تماما أن العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة خلال السنوات الماضية كانت ولا تزال عبارة عن شد وجذب بين الطرفين، إذ لم تشهد الساحة المحلية استقرارا سياسيا يرضي طموح الشعب وتطلعاته وآماله في التنمية والتطور، خصوصا مع عدم إكمال المجالس منذ سنوات مدتها القانونية، يواكبه تغيير شبه مستمر في التشكيلة الحكومية المرافقة لهذه المجالس، ما يشير إلى أن قراءة مستقبل البرلمان والحكومة والعلاقة بينهما ليس بالأمر الصعب أو المستحيل، فالكتاب كما يقال "يقرأ من عنوانه"!

Ad

أما ما يدعو للاستغراب بشكل أكبر في الانتخابات الحالية فهو الحديث المتداول عن حل المجلس القادم قبل أن يرى النور، ولا نبالغ إن قلنا حتى قبل الإعلان عن فتح باب التسجيل، وهي حالة نادرة ربما تحدث لأول مرة في هذه التظاهرة التي يراها كثيرون عرسا ديمقراطيا قل نظيره في البلاد العربية، خصوصا مع الظروف الإقليمية الملتهبة التي تحيط بالكويت من كل جانب.

وبالتالي فإن النظرة التشاؤمية لدى البعض تجاوزت هذه المرة حدود المتعارف عليه، وإلا ما معنى أن يكون حل المجلس القادم حديث الساعة لدى العديد من المحللين السياسيين والمهتمين وبعض التيارات الشبابية وغيرها، رغم أن عمره وفترة بقائه لا تزال أمورا غيبية.

أسباب مختلفة

ولعل طرح مثل هذه النظرة التشاؤمية في وقت مبكر جدا، يفتح آفاقا واسعة للتساؤل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت البعض إلى تبنيها دون أدلة واقعية، لذلك تظهر أكثر من علامة استفهام حول هذه القناعة المتعجلة، فهل تكونت هذه الفكرة نتيجة تكرار حل المجلس خلال السنوات السابقة؟ أم بسبب ترشح بعض الطائفيين الذين سيزيدون المشهد السياسي تطرفا أكثر وتوترا مضاعفا؟ أم لاقتناع الكثير من الناخبين بأن بعض المرشحين لا مبدأ ثابتا لديهم؟ خصوصا مع عودة المقاطعين إلى المشاركة بحجج وذرائع مختلفة رغم استمرار الأسباب التي دعتهم إلى المقاطعة؟

وبأي حال من الأحوال فإن تناول الشارع قضية عدم إكمال المجلس القادم مدته، أو ان عمره سيكون قصيرا جدا، بهذا الشكل الغريب يؤكد ان التشاؤم في أقصى درجاته، وأن حالة التذمر التي تسود جميع فئات المجتمع من فقدان الدور المنوط بمجلس الأمة وأهدافه التي أنشئ من أجلها ليقوم بمسؤولياته الرئيسية والتي تتمثل في الرقابة والتشريع، قد بلغت أعلى مستوياتها.

الحديث عن العمر الافتراضي للمجلس القادم أو مجلس 2016، كما يطلق عليه البعض، يملأ الدواوين ومكاتب الموظفين في الوزارات والمؤسسات هذه الأيام بشكل لافت، لكنه كما يؤكد رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الكويت د. علي الزعبي، "أمر افتراضي وليس جازما".

واوضح د. الزعبي انه "قد يكون السبب وراء تولد هذه القناعة لدى البعض ان الحياة السياسية في الكويت لم تعد ثابتة وراسخة كما كانت في السابق، لكنها في الوقت نفسه لم تتعرض في الأعوام الأخيرة للحل غير الدستوري الذي يستمر سنوات".

أوراق متنوعة

ويضيف د. الزعبي ان "الحل الذي تعقبه انتخابات أمر طبيعي في ظل وجود مجتمعات لم تصل إلى الحد الأدنى من مفهوم الديمقراطية، فالكويت توجد بها سلطة عشائرية ومجتمع عشائري، ونعني بذلك أننا لا نزال مجتمعات جمعية، الأسرة فيها هي المسيطرة على قرار الفرد، والنزعات الفردية ليس لها مكان".

وأشار إلى أن "نجاح عدد كبير من المعارضين ربما يؤدي إلى حل المجلس، واللعب في الأوراق الطائفية والطبقية والقبلية قد يؤدي إلى الحل، وعدم الانسجام بين الحكومة والمجلس أيضا ربما يؤدي إلى الحل، فالحل له أكثر من ذريعة وسبب".

وتابع د. الزعبي: "هناك من يريد الوصول إلى البرلمان للتأزيم، إذ إنهم موجهون لضرب الديمقراطية، وجعل الناس تكفر بها، وهذا أمر متوقع، لكن مهما حدث يجب ألا نضحي بتجربتنا الديمقراطية والتمسك بها ودعمها بصورة أو بأخرى".

وزاد: "وهناك من يريد إلغاء هذه التجربة من جميع الأطراف، لاسيما مع وجود معارضين رشحوا أنفسهم لزعزعة المؤسسة البرلمانية، لذا نحن أمام خطر أكبر من قضية فائز وخاسر، لأن الإشكالية التي نمر بها المستهدف فيها المؤسسة البرلمانية، خصوصا ان هناك من لا يريد وجود برلمان ودستور 62".

وأردف: "وبالتالي فإن الشعب الكويتي لا يملك غير هذه المؤسسة البرلمانية التي يجب ان نحافظ عليها، لأنه في حال عدم الحفاظ عليها، قد تأتي حلول أخرى محل هذه المؤسسة، وسنرى الخسائر المجتمعية".

ويبقى القول إن الحديث بهذا الزخم عن حل مجلس الأمة قبل ولادته سابقة لم تكن بهذا المستوى على مدى المسيرة الطويلة للديمقراطية، فالكويت التي لا تزال تعتبر نموذجا يحتذى على الرغم من بعض السلبيات والظواهر التي تمر عليها بين فترة وأخرى، وفي جميع الأحوال فإن حل المجلس أو استمراره 4 سنوات لن يغير من قناعة الكثيرين بأن الكويت ستبقى متميزة في مؤسستها البرلمانية التي حققت الكثير من النجاحات في الحفاظ على حقوق الشعب ومكتسباته الدستورية.