طوال مئات السنين شكّلت كوريا دولة تابعة للصين، ثم وقعت في قبضة الإمبراطورية اليابانية في مطلع القرن العشرين، وبعد هزيمة اليابان عام 1945، احتل الاتحاد السوفياتي شمال كوريا، مما أدى إلى تشكّل دولة كوريا الشمالية العدائية جداً وتحوّلها إلى خطر يهدد الجنوب منذ ذلك الحين، فسارعت الولايات المتحدة إلى تأدية دور حامي كوريا الجنوبية، ناشرةً فيها عشرات آلاف الجنود منذ بلوغ الحرب الكورية نهايتها الدموية عام 1953، رغم ذلك يتأرجح الجنوب بين كره الوجود الأميركي والقلق من انتهائه.

لطالما كان خطر الشمال كبيراً وملموساً، إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت تبدلاً، فما كان كيم يونغ إيل، الذي كان نظامه مسؤولاً عن أول اختبار ومات عام 2011، يملك إلا أجهزة نووية بدائية لا تحقق أي هدف غير الابتزاز. ولكن في ظل عهد ابنه كيم يونغ أون تسارع هذا البرنامج مع إجراء الشمال اختبارَين نوويين في هذه السنة وحدها. كذلك أجرت كوريا الشمالية 21 اختباراً صاروخياً هذه السنة، أحدهما من غواصة، وهذا الأول من نوعه، علاوة على ذلك، قد تنجح كوريا الشمالية في غضون سنتين أو ثلاث في امتلاك القدرة على تصغير حجم سلاح نووي تكتيكي ليُستخدم على صاروخ صالح للاستعمال، وقد تتمكن أيضاً في غضون خمس سنوات من تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات قادرة على بلوغ كاليفورنيا. نتيجة لذلك يتحدث تشانغ يونغ-وو، مستشار سابق في مجال الأمن القومي في كوريا الجنوبية، عن "الغضب المتنامي بعد خمسة اختبارات، تبدّل الجو العام، والشعور بالإلحاح".

Ad

عندما مالت كوريا الجنوبية إلى الصين ازدادت علاقاتها مع اليابان مرارة بسبب مسائل تتعلق بالتاريخ الاستعماري، لكنها مالت أخيراً في الاتجاه المعاكس، إلا أن الصين لم تهدئ مخاوف كوريا الجنوبية. على العكس راحت تنتقد بصوت عالٍ اندفاع الرئيسة بارك لتزويد بلدها بنظام دفاعٍ صاروخي أميركي عالي الارتفاع، أما علاقة كوريا الجنوبية الاقتصادية مع الصين فشهدت بدورها تبدلاً واضحاً، وباتت المنافسة تطغى على الفرص المتبادلة، فيما تعمل الصين على تطوير الصناعات ذاتها التي تُعتبر أساسية في الاقتصاد الكوري الجنوبي، مثل صناعة الفولاذ وبناء السفن.

في هذه الأثناء يبدو أن علاقات كوريا الجنوبية مع اليابان تتحسّن بسرعة، فسعت بارك ورئيس وزراء اليابان شينزو آبي إلى التوصل إلى تسوية نهائية لكل المسائل المرتبطة بالنساء الكوريات (ما زال بعضهن على قيد الحياة) اللواتي أُرغمن على العمل في بيوت دعارة مخصصة للجيش الياياني خلال الحرب. حتى إن البلدين بدآ بتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن كوريا الشمالية.

تحاول حكومة بارك أيضاً إقناع الولايات المتحدة بمعاقبة الصين على إخفاقها في كبح لجام الشمال. على سبيل المثال، تستطيع الولايات المتحدة إدراج شركات حكومية ومصارف صينية تتعامل مع الشمال على لوائحها السوداء (أعلنت لتوها فرض عقوبات على شركة صينية، غير أنها لم تقدِم على هذه الخطوة إلا بعدما اتخذت السلطات الصينية نفسها خطوات ضدها)، ولا شك أن هذه الخطوة ستُبعد الفاسدين عن أنظمة الدفع وشبكات التجارة العالمية. لكن الولايات المتحدة تبدو مترددة. سبق أن تسبب لها التوتر في بحر الصين الجنوبي ما يكفي من الصداع، في حين ترغب الولايات المتحدة في التعاون مع الصين في مسائل أخرى، مثل التغير المناخي.

نتيجة لذلك يشعر الكوريون الجنوبيون بالقلق حيال مدى التزام حليفهم الأميركي، وقد زاد تهديد دونالد ترامب بسحب الجنود الأميركيين من كوريا الجنوبية الطين بلة، ولا شك أن الرئيسة هيلاري كلينتون ستطمئن الكوريين الجنوبيين، إلا أن الخوف المتواصل من انسحاب الأميركيين في النهاية (ربما في إطار اتفاق لتشاطر النفوذ مع الصين في آسيا) سيقض باستمرار مضجع الكوريين الجنوبيين.

في هذه الأثناء لا ينفك الخطر الكوري الشمالي ينمو، ونتيجة لذلك يكثر الحديث عن حض الأميركيين على إسقاط الصواريخ التي تختبرها كوريا الشمالية في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة، مع أن هذه الخطوة تعرض الجنوب لخطر مواجهة رد الشمال، ونشهد أيضاً عودة إلى مناقشة مسألة أن تطور كوريا الجنوبية أسلحتها النووية الخاصة، وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الكوريين الجنوبيين المستطلعين يؤيدون هذه الفكرة.