قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة غدا، أي فجر بعد غد بالتوقيت المحلي، خاضت المرشحة الديمقراطية للبيت الأبيض هيلاري كلينتون، وخصمها الجمهوري دونالد ترامب، سباقا محموماً مع الزمن، سعيا إلى اجتذاب ما أمكنهما من الأصوات المتبقية.

ومع تضارب نتائج استطلاعات الرأي، التي بدأت تفقد الكثير من مصداقيتها وجدواها، بدا أن المرشحة الديمقراطية تتجه بثقة إلى البيت الأبيض، إلا أن منافسها لم يفقد الأمل في تحقيق مفاجأة، بعد أن تمكن من العودة إلى السباق في الايام الأخيرة.

Ad

أمسية استثنائية

وتستعد اميركا لأمسية انتخابية استثنائية، يمكن أن تطول قبل معرفة هوية الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة: هيلاري كلينتون او دونالد ترامب.

وستجرى غدا 51 عملية انتخاب مصغرة في كل ولاية أميركية، وفي العاصمة واشنطن، يفترض متابعتها واحدة تلو الأخرى أمام الشاشة. هناك قرابة 12 ولاية رئيسية يمكن أن تغير معسكرها من جهة الى اخرى، وتظهر تدريجيا على الخارطة الانتخابية التفاعلية للبلاد والملونة بالاحمر للجمهوريين والازرق للديمقراطيين.

وهذه الخارطة التفاعلية تعتمدها بشكل ثابت كل أربع سنوات محطات التلفزة، التي تبث الاخبار على مدار الساعة، ووسائل الاعلام التقليدية على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، لانها تعطي صورة واضحة ساعة بعد ساعة طوال هذه الأمسية الانتخابية الطويلة عن ميزان القوى الجمهوري - الديمقراطي.

وطوال نهار الغد، وحتى إن كان ملايين الأميركيين صوتوا في الاقتراع المبكر، يجري التصويت بالاقتراع غير المباشر، لان المواطنين يختارون كبار الناخبين الذين سيختارون في منتصف ديسمبر هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب. وعددهم 538 ناخبا بالإجمال، ويراوح عددهم بحسب الولاية عملا بعدد سكانها.

ومن أجل دخول البيت الأبيض يجب الحصول على الرقم السحري وهو 270 صوتا، أي الغالبية المطلقة لاصوات الـ538 من كبار الناخبين. وفي 48 ولاية تجري الانتخابات بالغالبية من دورة واحدة، ما يعني أن المرشح الذي يتقدم على منافسه يفوز بكل أصوات كبار الناخبين لتلك الولاية.

وسيكون على الناخبين الاميركيين اختيار رئيسهم ونائب رئيسهم عبر التصويت طوال النهار في منطقة شاسعة تتضمن اربع مناطق زمنية. وتفتح أولى مكاتب الاقتراع عند منتصف الليل بتوقيت غرينيتش على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ويغلق آخرها في الاسكا عند الساعة 6:00 ت غ.

وبالتالي فإن الاحتفالات تبدأ عند الساعة 19:00 الثلاثاء (منتصف الليل غرينيتش) على السواحل الشرقية، والجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية حين تغلق كل مكاتب الاقتراع في جورجيا وكارولاينا الجنوبية وفرجينيا وفيرمونت وكذلك في انديانا وكنتاكي.

ويمكن أن تصدر اولى المفاجآت من جورجيا اذا خسر دونالد ترامب هذه الولاية التي تصوت عادة للجمهوريين وفرجينيا اذا افلتت هذه الولاية التي فاز بها الرئيس باراك اوباما من أيدي هيلاري كلينتون.

وبعد نصف ساعة فقط عند الساعة 00:30 ت غ، يمكن ان تأتي الصدمة من ولايات اساسية مثل اوهايو وكارولاينا الشمالية اللتين تضمان عددا كبيرا من كبار الناخبين: 18 و15 على التوالي: الاولى تصوت تاريخيا للديمقراطيين والثانية للجمهوريين، لكن يمكن ان تغيرا معسكرهما بشكل مفاجئ.

وبين الساعة 1:00 ت غ و2:00 ت غ، تصبح ألوان نحو 30 ولاية أو عشرات كبار الناخبين، بالأحمر أو بالأزرق على الخارطة الانتخابية.

لكن يجب ترقب الوضع في ولاية فلوريدا الحاسمة وناخبيها الكبار الـ29، والتي فاز بها أوباما بفارق ضئيل جدا في 2012 في ختام أربعة ايام من إعادة فرز البطاقات. وهذه الولاية الجنوبية حبست انفاس العالم عام 2000 لحسم الاصوات بين جورج بوش وآل غور.

كما يجب مراقبة نيوهامشير الصغيرة، الولاية الريفية ذات الذهنية المستقلة، والتي تصوت عادة للديمقراطيين لكن التنافس فيها هذه السنة شديد جدا، وكذلك بنسلفانيا المعقل الصناعي الذي يميل الى الديمقراطيين ويعد 20 من كبار الناخبين.

وعند الساعة 2:00 ت غ بعد غد، يمكن ان تميل اريزونا وتكساس، الولايتان المحافظتان الواقعتان على حدود المكسيك الى كلينتون. وعلى العكس فان كولورادو وميشيغن وويسكونسين، معاقل الديمقراطيين مع إجمالي 35 من كبار الناخبين يمكن ان تصوت لصالح ترامب.

محطات التلفزة التي تعطي النتائج ولاية بعد ولاية بحسب نظام متطور للفرز الجزئي، واستطلاعات الرأي عند خروج الناخبين من مكاتب الاقتراع التي تعطي تقديراتها الخاصة، لا تنتظر عادة أصوات كبار الناخبين الـ55 لولاية كاليفورنيا (4:00 ت غ) المحسومة للديمقراطيين، لكي تبث النبأ العاجل وتعلن اسم الرئيس المقبل.

وهذه السنة، نظرا لتقارب نتائج استطلاعات الرأي في الايام الماضية فان أمسية الولايات المتحدة - ليل اوروبا- يمكن أن تكون طويلة جدا، وخصوصا في حال لم تظهر أي نتيجة واضحة في فلوريدا.

مهرجان أخير لكلينتون

وواصلت كلينتون التي تأمل أن تخلف باراك أوباما وتصبح أول امرأة رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة، جهودها حتى اللحظة الأخيرة، مع عقد مهرجان انتخابي أخير في نورث كارولاينا قبل ساعات قليلة من فتح مكاتب الاقتراع على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

ودعت السيدة الأولى السابقة (69 عاما) في فيلادلفيا إلى التعبئة في الشوط الأخير من السباق، مبدية ثقتها ومتوقعة أن يوجه الناخبون رسالة واضحة في جميع أنحاء الولايات المتحدة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

استطلاعات

وأظهر آخر استطلاع للرأي أجرته شبكة "إيه بي سي" وصحيفة "واشنطن بوست" تقدما للديمقراطية بخمس نقاط على الجمهوري على المستوى الوطني (48 في المئة مقابل 43 في المئة)، غير ان متوسط مختلف معاهد الاستطلاع تشير الى منافسة أشد بينهما. وفي استطلاع آخر أجرته "أي بي دي" و"تي أي بي بي" أظهر تقدم ترامب على المستوى الوطني بنسبة 44 في المئة مقابل 43 في المئة.

إجلاء ترامب

وفي مؤشر إلى التوتر الذي يخيم على نهاية حملة شهدت الكثير من العدائية والهجمات الشخصية، تم إجلاء ترامب لفترة وجيزة خلال مهرجان انتخابي في نيفادا أمس الأول، بسبب وجود رجل اشتبه بأنه يشكل خطرا، ما أثار ردود فعل قصوى.

ورغم أنه لم يتم العثور على أي سلاح في موقع الحادث، بحسب الجهاز السري المكلف أمن المرشحين، فإن ترامب جونيور أعاد ارسال تغريدة تشير بدون عناصر ملموسة تؤكد محتواها، إلى محاولة اغتيال.

وأوضح الرجل الذي كان يرفع لافتة كتب عليها الجمهوريون ضد ترامب أن الحشد بدأ يضربه وهو مطروح أرضا، قبل أن يصيح أحد وسط الفوضى: سلاح، ما حمل جهاز الأمن على التدخل. وتم اطلاق سراحه على وجه السرعة.

وبعد تأمين الحماية له، عاد ترامب إلى المنصة وسط هتافات الجمهور، وصرح "ما من أحد قال إن الأمر سيكون سهلا بالنسبة إلينا، لكن لن يتم إيقافنا أبدا".

وأضاف ترامب "أريد أن أشكر الجهاز الأمني السري. هؤلاء الرجال رائعون".

وبدا في بادئ الأمر أن هناك شجارا في صفوف الحشد، فأقدم عنصران أمنيان على إبعاد ترامب عن المنصة، لكنه عاد وأكمل خطابه بعد القبض على أحد المشتبه بهم.

وفي بيان أصدره بعد وقت قصير من الحادثة، شكر قطب العقارات جهاز الأمن السري وقوات الأمن في رينو وولاية نيفادا على "الاستجابة السريعة والمهنية".

ترامب الرافض

وبقي المرشح الشعبوي وفيا لخطه، رافضا استطلاعات الرأي حين لا تكون مؤاتية له، مستشهدا بها حين تكون إيجابية، وأكد لمؤيديه أن النصر في متناول اليد.

وعرض ترامب الذي عقد خمسة تجمعات أمس وسيعقد أربعة اليوم، مواضيعه الرئيسية، مؤكدا في المقابل أنه في حال وصول كلينتون الى الرئاسة، سيكون الأمر كارثيا.

وفي مؤشر ربما الى بعض التوتر في المعسكر الديمقراطي، أعلن فريق كلينتون عن مهرجان انتخابي اليوم في ميشيغن، الولاية التي حقق فيها اوباما نصرا سهلا في 2008 و2012.

وعلق خصمها ساخرا "أعتقد أنها تهدر وقتها. بدل الذهاب الى ميشيغن، يجدر بها العودة الى منزلها والاستراحة".

بينس

في غضون ذلك، تعهد مايك بينس المرشح لمنصب نائب الرئيس في انتخابات الرئاسة الأميركية على بطاقة الجمهوري دونالد ترامب، أمس، بأن حملة ترامب ستقبل "نتيجة واضحة" للانتخابات الرئاسية، لكنه قال إن الحملتين تحتفظان بخيارات قانونية إذا كانت النتيجة غير حاسمة ومثار جدل.

وقال بينس في مقابلة أجرتها معه محطة "فوكس نيوز صنداي": "أوضحت الحملة أن أي نتيجة واضحة سوف يقبلها الجانبان بكل تأكيد. لكنني أعتقد أن الحملتين أوضحتا أيضاً أنه في حالة وجود نتائج محل نزاع فإنهما يحتفظان بكل الحقوق والتعويضات".

أوروبا تفضل كلينتون

أوروبيا، باستثناء رئيس وزراء المجر اليميني، فيكتور أوربان، الذي أعلن صراحة تأييده لترامب، تتمنى كافة دول الاتحاد الأوروبي فوز منافسته كلينتون.

فالأحزاب الرئيسية التي تتولى الحكم، وتلك التي تعارضها، اتخذت موقفا موحدا في دعم كلينتون.

فإذا فازت كلينتون بالانتخابات، فإن ذلك سيضمن استمرارية العلاقات العابرة للأطلسي، فهي معروفة للأوروبيين جيدا، وعلى الرغم من اعتزامها انتهاج سياسة أكثر تدخلية من الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، فإن أوروبا اعتادت على هذا التحدي.

أما ترامب، فيمثل للأوروبيين المجهول، ولم يتم الالتفات إليه إلا بعد التقدم الذي أحرزه في الحملات التمهيدية وتصريحاته المثيرة للجدل.

ووضع ترامب شروطا بشأن دعم الولايات المتحدة لحلفائها في حلف شمال الأطلسي، ومع سياسة روسيا الحازمة في شرق أوروبا، فإن ذلك سيمثل مشكلة للأوروبيين.

وقد تتسبب رئاسة ترامب، التي تضع الشؤون المحلية والقومية على رأس أولوياتها، في وضع مزيد من الملح على الجرح الذي يعانيه الاتحاد الأوروبي بالفعل، خاصة مع تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد.